الخطاب المسرحي السوداني:رؤي واشكاليات
عصام ابو القاسم
لا يختلف اثنان الآن في حقيقة ان ثمة مساهمة نوعية قدمها المسرح، هذا النشاط الابداعي المعرفي، للمجتمع السوداني·· في اتجاه النهوض به وترقيته· ويمكن القول إن هذا الفن شكل، فيما لو استعرنا عبارة لمحمد مسكين في سياق قريب، منذ ظهوره مطلع القرن الفائت مظهراً اساسياً من مظاهر البنية الثقافية السودانية· بعد أن مثل أداة فاعلة ومؤثرة لخدمة قضايا التحرير والتنوير جملة هموم واهتمامات الحركة الوطنية وهي تنافح ضمن شروط معقدة من اجل وطن مستقل، وهو بعد - المسرح - لما يزل غضاً وطرياً·· تصارع النخبة المتعلمة بغية إدراجه في السياق الثقافي وقد أدركت، بما غنمت من معرفة واستنارة، أن بإمكانها استثماره، إلى جانب ما قيض لها من إمكانات، في دفع وتلبية مساعيها الكبيرة·، وعلى نحو أكثر قوة ونفاذاً، وهو ما ينهض مثالاً عليه قول حسين ملاسي عام 1932، فيما كان يقدم لمسرحية (وفاء العرب) ببورتسودان: (نعم، ان التمثيل قوة لا يستهان بها· قوة تقول للظالم في وجهه انك مستبد، وتوضح انه لا يحيق المكر السيء ألا بأهله··) "1"
وبضغط شديد، يمكن أن نشير باتجاه الصدى القوي ـ فيما عرضت له العديد من المباحث التاريخية المعنية بالمسرح في السودان ـ الذي خلفته المسرحيات التي شهدتها كلية غردون في العشرينيات والثلاثينيات·· كذلك هناك ما قدم ببخت الرضا ومعهد التربية شندي واندية (الخريجين، الزهرة، المريخ، حي العرب··) حيث أثرت هذه التجارب، دافعة ومقوية لغيرها من عوامل، في الإرهاص بتحديد المصير، بعبارة عز الدين هلالي، ونيل الاستقلال·
وعقب الاستقلال وفي الاوقات الشحيحة التي تجلى خلالها، والبلاد تغالب ظرفاً انتقالياً مثل المسرح موقعاً مهماً لاختبار أسئلة (الهوية، العلاقة بالآخر، التراث، التحديث·· الخ) كما مثل مصفاة دقيقة، فيما يعطي كتاب الحركة المسرحية في السودان1976 - 1987 لعثمان علي الفكي وسعد يوسف، لتنقية القيم الأخلاقية والعادات والتقاليد المحركة لعجلة المجتمع·
اذن، لقد كان للمسرح، بفضل دوره الحيوي هذا، أن كسب مكانة واضحة ضمن البنية الثقافية وغدا تجلياً اصيلاً من تجلياتها وهو ما يمكن ان ندلل عليه بالاشارة الى اتجاه إدارة الفنون الاستعراضية، على عهد الفكي عبد الرحمن، في إقامة المواسم المسرحية ابتداءً من العام 1976 الى نهايات السبعينيات، لتمثل رافداً من روافد أغناء وإثراء نهر الحياة السودانية اليومية وقتها، كما يمكننا أيضا الإشارة إلى إنشاء المعهد العالي للموسيقى والمسرح.
لكن كما هو معروف ما لبث ان تدهور الحال في حقبة الثمانينيات وحكم مايو الشمولي يزيد من تضيقاته ويحكم طغيانه؛ ليسوء حال المسرح وتغيب المواسم المسرحية·!
وبقى الحال على ما هو عليه وصولاً إلى اللحظة الراهنة·· فقط ثمة عروض مسرحية تجارية كان يشهدها المسرح القومي، من وقت لآخر، وما كان لها إلا ان هبطت بكل القيم والتقاليد التي أرستها أيام المواسم المسرحية·، ونتج عن ذلك ان نهضت العديد من الإشكاليات نحاول هنا ان نعين بعضها لعل في ذلك ما يوفر امكاناً للحلول·
الكتابة والنشر
الواقع·· يبدو للمرء وكأن ثمة اتفاق بين عدد ممن اجتهدوا في تقصي الأمر على قصر نفس الكتابة لدى السودانيين، فيما لو استعرنا عبارة لمحمد المكي إبراهيم التلخيص المثالي للأمر نجده في سؤال للشاعر عبد الرحيم ابو ذكرى للشاعر محمد المهدي المجذوب: (لماذا نحن أصحاب الديوان الواحد او القصة القصيرة الوحدة "····" لماذا نحن شحيحو العطاء بهذه الطريقة) " 2" ويعنينا عز الدين هلالي في تعزيز انحيازنا لما يستبطنه السؤال، حينما يخلص، بعد رحلة طويلة في سيرة حركة النقد المسرحي في السودان، الى ان يقدم رسالته لنيل الدكتوراة بعبارة احمد الطيب الدالة:
(ان ثقافة هذه الأمة ثقافة شفوية تعتمد على القصص المروى والنوادر المحلية وعلى المدائح النبوية "···" فلقرون ظل الناس يسمرون في ضوء القمر وفي ضل الضحى· وقل فيهم من كانت القراءة هوايته ومسرته، فالثقافة المكتوبة امر مستحدث لم تثبت جذوره بعد، وحتى عهد قريب كانت الكلمة المكتوبة وقفاً على بعض بيوت الدين وقلة ممن رحم ربي - ولا ننسى ان القراءة عادة لا يسهل اكتسابها وهواية تشق المواظبة عليها··)·3
وفيما نرجو ان يكفي ما عرضنا له اعلاه كمؤشر على المشكل، نشير الى اننا رأينا ان نبتدر بعرض هذه الاشكالية لاعتبارين الاول يتمثل في حقيقة ان هذه الاشكالية ظلت مرافقة لسيرة المسرح في السودان منذ بداياته الأولى، بخلاف الإشكاليات الأخرى·، على الأقل التي سنتناولها هنا، الاعتبار الثاني وربما كان ذاتياً وهو تأذي هذه المقالة، بصورة مباشرة، من شح المصادر وغياب المعلومات وهو أمر تسبب فيه بالطبع او في جزء كبير منه، غياب تقليد الكتابة·
بعد لعله سيكون صنيعاً غير صائب ان نحاول التحدث عن اهمية الكتابة، فغير اننا لا نثق في امتلاكنا قدرة الحديث هنا فاننا نعتقد ان هنالك العديد من المباحث عنيت بالأمر واعطته ما لا نستطيع تجاوزه·
نشير الى اننا ننحاز الى الرأي القائل ان مشكلة النفس الكتابي القصير ترافقها مشكلة أخرى هي: النشر، فالقليل الذي كتب لم يجد اي اهتمام ونشير هنا لتلك النصوص المسرحية السودانية العديدة التي قدمت على أيام المواسم المسرحية، فهي لم تنشر، كما إننا لم نجد أية إصدارة تنبعث شأن تلك المواسم وقدمت مقاربات عنها على ما لذلك من أهمية ثقافية وفنية وتاريخية·
ولننصت لعثمان جمال الدين وهو يقول بـ (خلو المكتبة السودانية من الإنتاج النظري منذ معرفة السودانيين للمسرح عام 1881 الى الآن المعاصر حيث لم يتعد ذلك بضع عناوين "دراسات في المسرح السوداني" للدكتور الطاهر محمد علي "حرف ونقطة·· تاجوج" لدكتور خالد المبارك "الحركة المسرحية في السودان، سعد يوسف وعثمان علي الفكي·) 4 وغير عثمان جمال الدين هنالك عدد من الباحثين يرددون ذات النغمة وهو ما يجعل المرء يبدى استغرابه: لماذا لم تؤثر هذه الأسئلة باتجاه حل هذا الإشكال حتى نؤسس منهجاً للمسرح؟ لو استعرنا عبارة لعثمان جمال الدين نفسه، يخرج به من دائرة العفوية والمجانية ويرفعه من وهدته التي تردى فيها بفعل سياسات الانظمة السياسية ونظرتها المرمدة له منذ الثمانينيات وصولاً الى الوقت الحاضر·
ومما لا شك فيه ان غياب المجلة باستثناء تلك الإعداد المحدودة لمجلة الموسيقى والمسرح او الدورية المتخصصة في شؤون المسرح، وغياب النص، عن ارفف المكتبات ومناهج التعليم اثر بصورة كبيرة، في معارفنا وعلاقتنا، لأجيال، بهذا الفن الكبير، أثر بصورة اكبر في خبرات وتجارب القلة القليلة من المشتغلين به في ظروف معيشتهم·· قيمهم ومبادئهم·
وما الصورة البائسة التي يتجلى بها المسرح في الخرطوم (اذ انه غائب تماماً في الاقاليم) الا نتيجة مباشرة لكل تلك الغيابات·· ازمة النص، التمثيل، النقد، الجمهور، الاتحاد·· الخ، كل تلك المفاصل المكونة للمسرح مأزومة لأنها، بلا ذاكرة، بلا تراكم محفوظ وفاعل، يشحذها ويغذيها بالطاقة اللازمة للاشتغال، لطرح الرؤى والأفكار الأصيلة، التي يليق بنا ان ننسبها لاي الفنون هذا·
حتى لا يطبع القول بالتعميم نمثل لسوء تلك الغيابات بحقيقة إننا لاحظنا ان قراءة اتجاهات البحوث المقدمة من شعبة النقد بكلية الدراما تكشف عن توجه مستقر وثابت، منذ وقت طويل، لجهة دراسات الفلكلور، الى درجة ان يتساءل المرء هل هي كلية معنية بالمسرح ام بالفلكلور؟ قد يقول قائل ان المعارف الإنسانية تتقاطع وتتداخل وتفيد من بعضها ويزيد في تفسير الأمر بأن يشير الى ان هذه العلاقة بين كلية الدراما ومعهد الدراسات الأفريقية والآسيوية نشأت نتيجة لدفع سؤال الهوية وان ما يلمس من تسلل قضايا الفلكلور الى قضايا المسرح هو بعض مما لزم على أكاديمية المسرح ان تقدمه في معاورتها للسؤال· وقد يكون هذا القول صائباً بدرجة ما، ولوقت ما من عندما نواجهه بالاسئلة الآتية: لماذا لا توجد بذات القدر اتجاهات بحثية تستهدف قضايا المسرح الخاصة·· فنيات العرض، رموز الحركة المسرحية، المهرجانات، التاريخ··؟ لماذا لم يقصد المسرح في حد ذاته، صحيح ان حال الركود الذي عم الساحة المسرحية منذ الثمانينيات ربما تسبب في ان يضعف حس الارتباط، لدى اجيال من الخريجين، بأسئلة المسرح لكن لماذا لم توضع اية خطط واستراتيجيات لمقاربة حال الركود هذا نفسه لجهة اجتراح الحلول له، ومن يسأل عن ذلك سوى الكلية نفسها؟·
يالنسبة لنا ان معهد الدراسات الآسيوية والافريقية الذي انشيء في الستينيات لدراسة مكونات الثقافة السودانية حظى بأكاديميين فاعلين انفتحوا، والمعهد على عتبة التأسيس، على النظريات والمقاربات الغربية وافادوا من مناهجها في الحفر في تربة الفكلور السوداني واسسوا لمكتبة غنية في وقت قصير· الشيء نفسه حدث بملكية الدراما حينما كان يوسم (المعهد العالي للموسيقى والمسرح) وثمة اسهام مقدر تحفظه مكتبة الكلية في هذا السياق لهاشم صديق·· فلقد ركز على عهده كأستاذ بالأكاديمية في اختبار المعارف والنظريات المستقدمة من الغرب من خلال واقع الممارسة المسرحية السودانية، والشاهد اننا لاحظنا ان كثير من البحوث التي اشرف عليها، ونعتقد انه أوعز بأسئلتها للطلاب، عنيت بمقاربة قضايا من لدن (مسرح الثلاثينيات) (النقد في الثلاثينيات)·
(الواقعية ومسرح حمدنا الله عبد القادر) (مسرح السبعينيات)·· الخ هذا الى جانب ان الرجل ابتكر تقليداً ذكياً وهو محاورة رموز الحركة المسرحية عبر تسجيلات كاسيت لتحفظ بالمكتبة الصوتية·
وقد حوت ذكرياتهم وخبراتهم التي اكتسبوها من ارتباطهم بهذا الفن·
والى جانب الجهد الشخصي لهاشم صديق في لملمة سديم تلك اللحظة المسرحية المتأخرة بالإشراف على بحوث ودراسات تحاورها وتستجلى ما انطوت عليه من قيم اجتماعية وفنية·· كانت هنالك جهود اخرى لأساتذة آخرين في ذات الاتجاه·
لعل في الإشارة الى حقيقة ان تلك الفترة أثمرت الإصدارة اليتيمة المعنية بالمسرح وهي مجلة الموسيقى والمسرح، لعل في هذه الإشارة ، ما يعبر بوضوح عن نوعية الاهتمام الأكاديمي بالمسرح وقتها·
صحيح ان ذلك الإهتمام لم يسلم من بعض الإشكاليات ـ ليس هنا محل مقاربتها ـ لكنه بالمقابل كان تأسيساً واعداً لنبع معرفي في شأن المسرح السوداني، وربما حصلنا على صدى لذلك عندما ننظر في سيرة بعض التجارب المسرحية التي أسهمت بها فرق وجماعات قادها بعض الطلاب وقتها مثل جماعة مسرح الشارع ومسرح الرجل الواحد ، فلقد أفادت مما تلقته من معارف ونظريات في كل ما يتصل بالمسرح·· التمثيل، الاخراج، النقد·· الخ، وبالاساس امتلكت وعياً وتمثلا بهذا الفن وبدوره في الحياة، فأقدمت، بجسارة، وفي ظروف غاية في التعقيد، على اشاعته ونشر رسالته·· في الشارع، الاحياء والقرى والمدن المهمشة·
لكن، كما هو معروف، ما لبث ان تبدل حال البلاد والعباد كلية، مع استيلاء نظام الإنقاذ على الحكم 1989، ليغلق المعهد ، مطلع التسعينيات، مثلما أغلقت وجففت قبله المنابر الثقافية والإبداعية العامة، على قلتها ، وطورد المبدعون وهجروا اغلقت منافذ الكتاب الوارد من مصر وسوريا وغيرها من بلدان العالم·· غابت الدوريات والمجلات· وعم الركود كامل المشهد الثقافي·
قرضت سنوات الإغلاق تلك، التي استمرت من(1991 الى 1994) 5 حلقة مهمة من سلسلة تطور الإهتمام العلمي بالمسرح، ولعل مما زاد الطين بلة، انه حينما سمح بفتح المعهد كانت الساحة المسرحية، حال المشهد الثقافي برمته، تعيش جدباً لا حد له، تسببت فيه كثير من العوامل، ليس اقلها هجرة اعداد كبيرة من المسرحيين الفاعلين الى اوربا والبلاد العربية، وتفضيل القليل الذي بقي منهم الصمت بدلا" عن المشاركة في خلاء المسرح، اذا جاز القول، فلقد انعدمت كل الإمكانات وسدت الطرق، ويلخص لنا السر السيد، الناقد القريب من اضابير ودهاليز الساحة ، تلك اللحظة الممتدة ـ بصورة ما ،الى الآن قائلاً:
( بكلمة واحدة لقد تراجع المسرح في عهد الإنقاذ تراجعاً كبيراً· بل هو الآن يلفظ انفاسه الأخيرة، ففي عهد الإنقاذ لم يقدم المسرح القومي منذ العام 91 ـ94 ولا مسرحية واحدة وبعد ذلك تحول الى دكان لا يبيع فيه ولا يشتري الا من استطاع اليه سبيلا "·····" في عهد الإنقاذ تحول مسرح قصر الشباب والأطفال ومسرح ام درمان الأهلي الى مكان لعرض الأفلام الهندية وافلام الكاراتية، في عهد الإنقاذ مات مسرح الولايات·· في عهد الإنقاذ اختفت العبارة الشهيرة ـ اعطني مسرحاً اعطك امة لحين اشعار آخر ولا غرابة فحتى المسرح المدرسي مات في عهد الإنقاذ·)6
اذن كان على المعهد ان يغالب الى جانب بؤس الإغلاق الذي خصم سنوات غالية من عمره، الافتقار الى مصدر مهم لحيويته وفعالية ما يقدم فيه وهو: الساحة المسرحية·
والشاهد، ان سنوات عديدة مرت بأكاديمية المسرح وطلابها يدرسون المسرح وأغلبهم لم يكن جزءاً، في أي يوم، من فرقة او جماعة مسرحية ذات تطلعات ومبادرات متقدمة، اغلبهم لم يكن جزءاً من ورشة عمل حول فنون الإخراج والتمثيل، ولم يكن من حظ أي واحد منهم ان ابتعث الى الخارج·
يمكننا ان نتصور وعلى ضوء ما سلف، الى اي حد اضعف ذلك ما نفضل ان نسميه بـ: العلاقة المعرفية للطالب بالمسرح من الجهة المقابلة، معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية وبالرغم من انه افتقر لاهتمام الدولة، بل حورب من قبل البعض ووصف المنتسبين اليه بــ ( الوثنيين)7 الا انه لم يغلق وظل اكاديميوه يقدمون اطروحاتهم وبحوثهم ويثرون مكتبته، وكان ان انفتح طالب النقد، بكلية الدراما، بعد ان لمس فقر مكتبته الخاصة وبعد ان ضعفت علاقته بالمسرح انفتح على هذه المكتبة من خلال درس الفلكلور المدرج بمنهجه، فهي وبما توفر فيها من دراسات وبحوث عديدة تسعفه في أكمال بحث تخرجه، في الوقت اللازم، كما انها تهدئ قلقه الشخصي بسؤال الهوية ، الأكثر صخباً في نفسه ، من سؤال المسرح!·
هكذا فقد المسرح الجهد المنتظر من كثير من النقاد الذين يتخرجون من هذه الكلية·· فقد بحوثهم ودراساتهم وهم داخل الكلية وهم خارجها·· اذ لاحظنا ان اعداداً كبيرة منهم ما تلبث ان تتوجه بعد التخرج ايضاً الى معهد الدراسات الافريقية والآسيوية للحصول على الدبلوم العالي، لتستغرقهم سمناراته ومحاضراته حول الثقافات الشعبية وغيره·
بعد، ان حال اتجاهات البحوث المقدمة من طلاب شعبة النقد بكلية الدراما لا يعدو كونه مثالاً واحداً على ما ترتب من سوء لغياب تقليد الكتابة وضعف النشر بالساحة المسرحية السودانية ····· هنالك العديد من الامور السالبة لا يمثل ما ذكرناه ، بصورة معممة ، في بداية طرحنا لإشكالية الكتابة والنشر الا جزء يسيراً منها·
بقي ان نشير الى ان هنالك بضع عناوين اختصت بالمسرح صدرت مؤخراً مثل " فنون الآداء التمثيلي" لعادل حربي"دوائر لم تكتمل" للسر السيد "المسرح التنموي" ابو القاسم قور، "النقد الدرامي" اليسع حسن " اوراق في قضايا الدراما" لسعد يوسف وغير ذلك· لكننا لا نرى انها تمثل حلاً واعداً لهذه الإشكالية فغير ان أغلب هذه العناوين هي عبارة عن رسائل أكاديمية، أو مقالات صحفية ولعل في ذلك ما يشى ويعبر عن الإشكال اكثر من أي شئ آخر، غير أنها كذلك ؛ هي لم تصدر ضمن خطة او استراتيجية نشر مقصودة من قبل المؤسسات المعنية بالمسرح·· اغلبها صدر، كما يتحدث أصحابها، عن طريق العلاقات الشخصية وفي ظروف وملابسات غاية في التعقيد·
المؤسسة الرسمية
وكما يمكن ان يلوح في ثنايا ما ذكرنا آنفاً كان للمؤسسة الرسمية للمسرح على مدى الوقت منذ الثمانينيات، دورها الكبير في قتامة المشهد المسرحي وفي ما يتردى فيه من إشكاليات عميقة· فلقد عجزت عن ان تقدم اية مساهمة نحو تغيير الحال، بل ربما سعت في اغلب الوقت الى ابقاء الوضع على ماهو عليه·
يقول رياض عصمت: (بين قطبي الحرية والسلطة ظل المسرح ينوس عبر التاريخ وبين هذين القطبين، ظهرت المؤسسة لتضبط التوازن الدقيقة احيانا بيسر واخرى بعسر، والمؤسسة تختلف بالطبع، بين لعالم الغربي والشرقي والثالث· فهي في بعض العوالم مستقلة· اما في عالمنا العربي فهي جزء لا يتجزأ من السلطة والطريف ان هذا الجزء محكوم من قبل فنانين)· 8
ومن المؤسف ان عدد كبير من مبدعينا ممن أوكلت اليهم السلطة إدارة بعض المؤسسات الثقافية لم يستطعوا، بعبارة هاشم ميرغني : (اختراق المؤسسة وتجييرها لصالحهم، لتمرير خطابهم اذا استثنينا مجهودات محمد عبد الحي وشيلاب وابراهيم الصلحي في مصلحة الثقافة على عكس ماهو حادث في بلد مثل مصر حيث استطاع المصريون منذ فترة مبكرة اختراق هذه المؤسسة ابتداء من المؤسسة الناصرية حيث قامت نهضة المسرح المصري الستيني على اكتاف المؤسسة الحكومية··)9
وفي جهة المسرح بالأخص ، هذا الفن الذي لا يعيش الا في جو ديمقراطي ، هذا الفن الذي لا يحتمله اي نظام شمولي، تنبهت الدولة السودانية ، بمختلف نظمها ،بذكاء قمعي ،الى سد كل منفذ في وجهه . وذلك عبر توريطها لا برز الفاعلين فيه في ديوان الوظيفة ومحاصرتهم بجملة من القوانين والمبادئ المقيدة ونستثنى هنا تلك اللحظة التي اوكلت فيها إدارة المؤسسة المسرحية للمسرحي الفكي عبد الرحمن فلقد شهدت تلك اللحظة ، كما تعطي العديد من الوثائق ، المحاولة الوحيدة، لإختراق المؤسسة، فيما لو استعرنا عبارة هاشم ميرغني، اذ تحفظ لنا الذاكرة المسرحية ،على بؤسها ، حقيقة ساطعة وهي ان هذا المسرحي استطاع ،بهمة عالية ،وحرقة حقيقية تجاه فن المسرح، ان يؤسس، بإمكانات الدولة ما سمي من البعض ب: لحظة ميلاد المسرح السوداني، بالعام 1967 حيث ابتدرت حينها المواسم المسرحية، او حيث ابتدر مسرح المحترفين نشاطه ، كما يقول بدر الدين حسن· واننا لنجد بالمقالة اليتيمة التي كتبت بدورية ثقافية خارج السودان ، عن المسرح والتي انجزها بدر الدين حسن بالدورية العراقية (الاقلام )، اننا نجد هذه الشهادة عنه:
( بداية نقول ان الفكي عبد الرحمن جاء في وقت مناسب وهو الذي برز من خلال حركة مسرح بخت الرضا واشاد به استاذه د· احمد الطيب اكثر من مرة ،·فلفت انتباه الكثيرين لما يتمتع به من مواهب وقدرات تمثيلية جيدة أهلته لأن ينال منحة حكومية لدراسة فن المسرح في احدى جامعات لندن المرموقة وهناك صقل موهبته وانكب بكل كيانه يغرف من المسرح الانجليزي والعالمي"·····" وعاد من هناك اكثر رواء واشباعاً وحماسة لقضية المسرح وعندما اولكت اليه مهمة إدارة المسرح القومي اعتبر ذلك محكاً وامتحاناً لما يؤمله هو نفسه لانهاض الحركة المسرحية من سباتها· كان اول شعار رفعه الاستاذ هو تغيير نظرة المسؤولين الضيقة للمسرح··)10
عدا ذلك فأنت اذا نظرت الى حال المجال المسرحي منذ الثمانينيات الى الآن تبين لك، مما تراه من حال ركود او نشاط طارئ غير مؤسسي، مقدار فعالية مؤسسة الرسمية للمسرح، ولعل مما له دلالته الخاصة ،ان نشير الى اننا عندما نبحث ، مثلا" ،عن شهادة مماثلة لتلك التي انجزت حول تجربة الفكي عبد الرحمن عندما عهد اليه بإدارة المؤسسة، عندما نبحث عن شهادة كتلك حول دور مسرحي مثل مكي سنادة الذي ارتبط ، بعده ،لعقود بإدارة المسرح القومي فاننا نجد سعد يوسف يكتب عنه:>·· لا يمكن اغفال الفائدة الاكاديمية من البعثات والدراسات التدريبية التي شارك فيها خارج السودان والتي ربما لم تكن تتاح له لو لم يكن احد موظفي المؤسسة المسرحية· بجانب ان وجوده في قمة جهاز الدولة المنتج للعروض المسرحية ـ او بالقرب منه ـ ساعده كثير في انتاج العروض التي يرغب في اخراجها وفي توفير مستلزماتها الفنية بالقدر المتاح مما جعل اغلب عروضه من انتاج الدولة·)·11
ويشف ما قاله د· سعد يوسف عما يحمله جيداً عندما نسأل كم عرض مسرحي انتجته الدولة بخلاف عروض مكي سنادة؟ كما ان ما قاله د· سعد يكشف عن الكثير عندما نقرأه مصحوباً بحقائق من لدن تلك التي ذكره السر السيد ضمن محاولته رسم صورة المشهد المسرحي في عهد الإنقاذ والتي لا تعوزنا الشواهد على تأكيدها.
من ذلك انها تكشف انه في الوقت الذي يضيق فيه علي العديد من المسرحيين من خلال رفع ايجار المسرح القومي ، وعدم الدعم ، والضرائب والاجراءات البيروقراطية وغيرها من عوائق تقتل اي نية للمعافرة ولمقاومة بؤس الحال والحول ، في هذا الوقت يجد مكي سنادة ، من موقعه في المؤسسة الرسمية ، إمكانية لإنتاج عروضه . ،اننا نعتقد ايضا ، من جهة اخري ، ان من بين ما نال هذا المسرحي من انشغاله الاداري انه فقد تلك العلاقة الحميمة التي ربطته بجمهور المسرح واهله والتي خلقها من براعته الادائية في التمثيل ومن حسه الغني والثري في تصميم الديكور ، لقد حدث له مايشبه هذاالذي يعبر عنه المجاز الذي صاغه هاشم ميرغني مرة حول المبدعين الذين تستنفز السلطة قدرتهم بتوريطهم في الوظيفةحيث يتم :(تحويل العسل الذي يجري في عروقهم الي : ماء).
الى ذلك ، فإننا نرى في الجدل الذي ثار مؤخراً حول عودته ـ سنادة ـ الى إدارة المسرح القومي ، بعد انتهاء مدته الوظيفية مؤشراً على استشعار الساحة المسرحية، على ضعفها المريع، ووعيها بضرورة التغيير، خاصة وانه لم يحدث قط ان تململت هذه الساحة هكذا، على مدى تاريخ علاقة السلطة بالمسرح في السودان، لم يحدث ان تململت هكذا وحاولة مغالبة الاقدار والمصائر التي يلقيها عليها السياسي !
يمكننا، وحتى لا يطبع حديثنا عن بؤس المؤسسة الرسمية للمسرح بالتعميم، ان نقدم امثلة عديدة، على الرغم من شح المعلومات· من ذلك يمكننا ان نشير الى حقيقة ان هذه المؤسسة عجزت بالرغم من عمرها المديد عن تشييد مسارح ودور للفعل المسرحي في كثير من مناطق السودان بما في ذلك الخرطوم على الرغم من ذلك يمثل مطلباً ملحاً لاية فاعلية مسرحية، والذاكرة الخربة للمسرح تعطي ان ثمة وقت مر على الساحة المسرحية استطاعت فيه المؤسسة ان تشيد مسارح في كسلا ومدني وغيرها من مدن اقليمية، على عهد الفكي عبد الرحمن وبامكانيات شحيحة للغاية·· تفوقها هذه المتوفرة في الحاضر بدرجات كبيرة·
كتب مكي سنادة والذي هو احد موظفي المؤسسة الرسمية، كتب مرة حول اهمية تشييد المسارح:
( ان تشييد مسارح جديدة يعني على المدى البعيد، على الاقل تشجيعاً لمبادرات جديدة من فرق جديدة قد تكون ذات اثر فعال في مجمل النشاط المسرحي في المستقبل خصوصاً وان المعهد يدفع سنوياً الى ساحة العمل الابداعي عدداً لا بأس به من الخريجين"..." وان تصطدم هذه الطاقات المنفتحة بواقع انتفاء دور العرض فان ردود فعلها تكون غير مؤاتية وبذلك يصاب مسرحنا باضرار جسيمة لا يمكن تقدير مداها في الوقت الحالي، اقلها ان يفقد المسرح احتياطيه من الشباب)·12
لكننا عندما نبحث بعد مرور نحو عقدين على كتابة مكي سنادة لتلك الاسطر المضيئة فاننا نجد بارض الواقع نتيجة أكثر من خائبة·
اذا نظرت الى الاقاليم لن تجد فقط انه لم يتم تشييد مسرح واحد بها بل تجد ان القلة القليلة من المسارح التي شيدت بالمدارس والساحات العامة هدمت أو هجرت فباتت بلا خشبات... بلا مقاعد بلا·· ، باتت (خرابات) يقطنها البوم وما لا يعلمون·
عندما نشير الى ذلك فاننا لا نفعل ذلك مستبعدين لأية محاولات بذلت من جانب مكي سنادة، الذي تختزل، بسبب اجرائي، في شخصه المؤسسة بذلت في اتجاه انزال همومه وتطلعاته تلك على ارض الواقع لكننا نستبعد ان تكون تلك المحاولات قد بذلت بالدرجة التي تجعلها تتحقق·· تتجاوز ما ينهض امامها من عوائق وعقبات، وتثمر فعلاً منظوراً وملموساً، كما هو حال تلك المحاولات التي بذلها الفكي عبد الرحمن·
قد يرجع البعض الامر الى اختلاف الظروف السياسية والاجتماعية التي عمل ضمنها كل من الفكي وسنادة، فالاول برز في ظروف (نهضة ثقافية عامة)، كما تعبر عن ذلك المباحث التاريخية، شهدتها فترة الستينيات، فيما تسلم الثاني زمام امور المؤسسة في لحظة شهدت تراجعاً كبيراً في الاهتمام بالعمل الثقافي من قبل الدولة· ومثل هذا القول قد يكون صائباً بدرجة ما· لكن أليست هذه الظروف ذاتها بما فيها من ملابسات وتعقيدات وضعف اهتمام بالثقافة·· الخ، أليست هذه الظروف هي التي انتخبت واستقدمت للمؤسسة المسرحية مكي سنادة؟ ذلك هو السؤال·
يقول رياض عصمت: (ان السلطات العربية، على تنوع اشكال حكمها ومذاهبها العقائدية، تضع شخصاً مطواعاً في المواجهة، وترفع يدها متظاهرة بالديمقراطية، تاركة اياه يلبي اغراضها)·13
ونرى انه ليس في كل الاحوال كما ذكرنا آنفاً، ان هذا الشخص الذي تنتخبه السلطة والظروف التي تولدها بالمجال الحياتي برمته···، ان هذا الشخص لا يكون مطواعاً في كل الاحوال وان بامكانه ان يحرر موقعه من أية املاءات سلطوية ويدفع كل الوسائل المتاحة لديه للاستجابة لكونه صاحب مشروع ثقافي لا تؤمن به السلطة، في الغالب الاعم، ولا تأمن له، بعبارة رياض عصمت، مثلما فعل محمد عبد الحي، علي الملك، الفكي عبد الرحمن وغيرهم من قبل·
الإتصال بالخارج
وفي اتجاه تعيين بؤس المؤسسة يمكننا ان نشير الى جانب شأن تشييد المسارح، الى شان الاتصال بالخارج· وهو شأن، فيما نرى، لصيق لحد كبير بتفكير المؤسسه، بل يمكن اخذه مقياساً نوعياً على فعاليتها· وهنا نقف على الكثير مما هو مضحك ومبك في ذات الوقت·
لعلنا لا نختلف في اهمية ان تنفتح الحركة المسرحية على الخارج، ان تفيد من المراكز المسرحية، ببعض البلدان الاقليمية والعالمية مما يقام بها من مهرجانات وفعاليات مسرحية في تقوية علاقتها بالمسرح، علومه ونظرياته وفي عكس ما لديها من خبرات ومعارف·
ولقد تنبهت الساحة المسرحية السودانية لذلك منذ وقت مبكر، فشهدت فترات مختلفة حضور فرق مسرحية من بلدان مختلفة·· كما ان ثمة ابتعاثات تمت لمسرحيين الى انجلترا، وبلغاريا ومصر، لصقل معارفهم بالمسرح·
لكن ما لبث ان تبدل الحال كما اشرنا سابقاً، وبدأ مسرحي مثل محمد شريف علي محتاراً وهو يلاحظ ان ثمة ابتعاثات تتم للبعض بصورة تفتقر للشفافية مما حمله الى ان يكتب: (بكل وضوح وصراحة، ولان المسرح منبر صريح اقول ان البعثات الى جمهورية مصر العربية للاستفادة من الخبرة المسرحية هناك تتم على اسس غامضة·· ينالها غير الفنانين ولتعهد ادارة الفنون المسرحية والاستعراضية اسماء الذين وجدوا فرص الكورسات في مصر، من منهم الفنان)·14
ولم يكن استشعار محمد شريف ذاك سوى مقدمة على سيرة طويلة استمرت الى الآن، من الغموض وعدم الشفافية احاطت بأمر البعثات هذا على وجه الخصوص، واحاطت ايضاً بأمر الاتصال بالخارج على وجه العموم·
شواهد متفرقة
في منتصف الثمانينيات نجد سيرة مسرحية (الحافلة) التي كان من المفترض ان تسافر الى قرطاج، لكن ذلك لم يتم لاسباب: غامضة ولقد صورت صحيفة الصحافة مشهد فريق المسرحية وهو في الطريق الى الطائرة المغادرة الى قرطاج بصورة درامية بالفعل اذا اوردت: (دقائق وتقلع طائرة الخطوط الجوية السودانية الى مطار قرطاج الدولي حاملة الوفد المسرحي السوداني لتمثيل السودان·· على سلم الطائرة كانت المفاجأة تنتظر الوفد· صوت ينادي: البعثة تنزل·
وبعد هرج ومرج ووسط دهشة السيد سفير تونس الذي جاء مودعاً الفرقة جمع المسؤولون التذاكر من البعثة وعاد الوفد يحمل عفشه وديكوره وخيبات الأمل في اقصر رحلة شهدها التاريخ، وكان بحق مشهداً درامياً مؤثراً قدمته مصلحة الثقافة على مسرح مطار الخرطوم)· 15
ولعل الجزء الابلغ تأثيراً في تقرير الصحيفة يتمثل في هذه اللوحة:
(حمل الوفد حقائبه رأساً من المطار لمكتب وزير الثقافة والاعلام·· بعد ان استعانوا ببعض كرام المواطنين الذين شهدوا المأساة ليتحملوا نفقات عودتهم، بعد ان تركهم مندوب المصلحة حاملاً معه تذاكر السفر وتبدو عليهم علامات انفعال ظاهرة وخيبة أمل كبيرة)·
يعرض التقرير من بعد لقاء فريق المسرحية مع وزير الثقافة ولعل اهم نقطة في ذلك اللقاء تحديد فريق المسرحية لمخالفات مصلحة الثقافة تجاههم... فـ (الدعوة حضرت الى السودان قبل 5 شهور وظلت حبيسة ادراج الاخ مكي سنادة بعد ملاحقة السفارة التونسية واصرار الملحق الثقافي التونسي بمشاركة السودان طلعت الاوراق من ادراج مكي سنادة· بالرغم من قبول تونس لمسرحية الحافلة بخطاب رسمي 7 أغسطس فان الاخ مكي سنادة لم يعرضه للسيد وزير الثقافة إلا قبل يوم واحد من بداية المهرجان· ايضاً تعمد مكي سنادة عدم ارسال الديكور لتونس في الموعد المحدد بالرغم من تأكيداته بذلك وكان هذا وحده كافياً لنسف البعثة)
بلا شك لا شىء يجعلنا نصدق ما قاله فريق المسرحية لكن ماالذي يجعلنا لا نصدقه ؟
عموما ، ما يهمنا هنا هو الموقف العام: انزال فرقة مسرحية من سلم الطائرة، كيف حدث ذلك؟ " وان الامر ليستحق ان تقوم الدنيا ولا تقعد"·
عندما نتقدم قليلاً في المشهد المسرحي نحصل ايضاً على سيرة مسرحية >اربعة رجال وحبل<، وما يجمع سيرتها بسيرة مسرحية (الحافلة) ان احد اعضائها وهو يحيى فضل الله يشير ايضاً الى ان ثمة مكاتبات تتعلق برحلة المسرحية الى القاهرة، للمشاركة في المهرجان الدولي التجريبي الرابع، تمت ما بين ادارة المهرجان والهيئة القومية للثقافة والفنون، وكان امينها العام احمد عبد العال، تمت (من قبل أكثر من شهر لبداية المهرجان، الاول من سبتمبر، ولكن رغم ذلك فوجئنا بان اجراءات السفر بدأت بعد بداية المهرجان)16
ويضيف يحيى فضل الله: >ضاعت مشاركة السودان في مهرجان القاهرة الدولي للتجريب الرابع بسبب هذا التأخير<·
ما بين السيرتين هنالك العديد من السير المماثلة، ثمة سيرة مسرحية (قبة النار)، فيما يشير الى ذلك يحيى فضل الله نفسه، ومشاركتها في مهرجان بغداد 1992، ايضاً عرض (مأساة يرول) تأليف الخاتم عدلان لذات المهرجان، ايضاً هناك سيرة مسرحية (السيل)، والعديد من المسرحيات·
بل انك لو بحثت اكتشفت أن المرات القليلة التي شارك خلالها السودان، ولأنها لم تأت في الظروف المناسبة والموضوعية، ولان ليس ثمة جهد مؤسسي وقف خلفها، اكتشف ان هذه المشاركات أحاطت بها الكثير من الإشكاليات. ليس اقلها أن السودان لم يجن من أية واحدة منها ـ مشاركاته ـ أية جائزة اعتبارية وان اغلب مشاركاته، خاصة بمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، جاءت شرفية أو علي هامش المهرجان!
بمعني انك إذا نظرت تجد أن المشهد المسرحي في اللحظة التي تجيء فيها الدعوة للمشاركة بمهرجان ما خارج السودان ، او حتى قبلها، يعيش في حالة من الركود الشامل.. بلا حراك ، تعوزه كل ممكنات الفاعلية ، وقد جلس المسرحيين تحت شجرتهم ، لأنهم لا يستطيعون ان يسترزقوا ألا مما يفلحون فيه ـ وهو المسرح ـ في انتظار أية سانحة يستطيعون خلالها الكسب من كونهم ممثلين او مخرجين أو نقادا أو .. او ، ومن وقت لآخر تتوفر لهم فرص شحيحة في التلفزيون ( تمثيلية ، إعلان ، استضافة ، .. ) او فرص أضيق في بعض البرامج التي تقيمها، في السنة مرة ، بعض الجهات الدعوية او التربوية او المنظمات او ..، ينتظرون والحاجة تلح وتضغط على ما بقي لديهم من صبر جميل،الحاجة تفعل فعلها علي ما لديهم من قيم ومباديء ، من حس أنساني فنان . .!!
الحاجة الي ماذا؟
الحاجة إلى ما يسد الرمق ،الحاجة الى ما يسد متطلبات العيش اليومية. . دع عنك، هنا وألان، متطلبات الوعي المسرحي من كتب ومراجع، من ورش ومنتديات ومؤتمرات واستوديوهات ومكاتب و..و..و الخ !!
وان بؤس الحال ليتعين أكثر إمامك، ويقوم بين يديك عندما تسأل: كم عدد المسرحيين في الخرطوم ـ ليس السودان ـ وكم منهم ،من كل الأجيال ، يعمل؟
ومن يعمل منهم، بكم يعمل؟ كم يدفع التلفزيون للممثل؟
على هذا الخلفية اقرأ كيف يمكن أن يتعامل مشهد مسرحي كهذا مع دعوة للمشاركة في مهرجان عالمي، ليس فقط تنطوي علي خروج من دائرة فارغة ، بكل ما تحمل الكلمة من معني ، مثلتها الساحة المسرحية هنا ، إلى دائرة من الفعل المسرحي الخلاق تمثلها دائما مراكز المهرجانات المسرحية بالعالم ،ليس فقط ذلك إنما أيضا تنطوي علي نثريات وجوائز وغير ذلك مما يحق للفنان أن يحصل عليه مقابل ما يقدمه من أبداع .
إن ربيع يوسف حينما يتحدث لنا عن ان ثمة :
( تاريخ سجل بيع بعض أعضاء الفرقة ـ يقصد الفرقة القومية للتمثيل ـ مجهود فرقة شوف في مسرحية إشارة مرور، ومجهود طلبة وخريجي كلية الموسيقي في مسرحية الملك يخرج، ونتاج مهرجان البقعة في مسرحيتي الصدى والآخر والفراشة والسمندل فهي جميعها مسرحيات. شارك بها المسرح القومي في مهرجانات دولية على الرغم من انها لم تنتج في الأصل بهذه المهرجانات بل كما أسلفنا أنتجت في مناسبات مختلفة ) 17
حينما يتحدث لنا عن ذلك يخلص بجملة نوعية تضيء لنا جانب من هذا المشهد المسرحي المتردي على النحو التالي :
( أن أللأخلاق واللا انتماء وصل بأصحاب هذه الأعمال ـ يقصد بعض الأعمال شاركت ممثلة للسودان بمهرجانات دولية ـ التي شاركت حد استبدال أولئك الذين انتموا لهذه الأعمال وأصحابها بآخرين وذلك بدعوى أنهم ليسوا أعضاء في الفرقة القومية تأكيدا لغياب ثقافة الحقوق والمواطنة؛ فلو وعي من باع مجهوده للمسرح القومي بأنه يقف في منطقة القوي ويمتلك ما يبيعه لما تنازل عن حقه في فرص المجموعة التي تمثل معه لكنه للأسف أدمن الإحساس بالدونية. هذا قيض من فيض الفساد الذي ينتظم المؤسسات المسرحية أكاديمية كانت أو عملية· )
غير إدمان الانصياع والإحساس بالقهر والعوز إلي الإرادة، والدونية ثمة إمراض عديدة تسللت إلي الحركة المسرحية بالطبع بسبب ما ذكرنا .
فما الذي يمكن أن ينتظر من هنا !؟
تنهض كثير من المشكلات بالطبع من وراء ذلك وبسببه، تشهدها الصحف والمجالس ـ بالأخص منها تلك التي تبذل للنميمةـ وتغّيب المسؤوليات .. تبعات الفشل والخذلان ،هنا وهناك ، في غبار الشخصي والذاتي وتميّع القضايا العامة ؛ ليقرأ الجهد المسئول الذي يبذله مسرحي مثل ربيع يوسف نفسه او غيره ، في اتجاه تعيين المشكلات التي يتردى بها المجال، متنكبا مشاق وصعوبات الكتابة المعروفة، بغية تقريب الحلول ، يقرأ جهد كهذا، على الرغم من انه يجيء من فرد، لا يملك ما يسعفه حتى في تقضية أموره الحياتية اليومية، وليس من مؤسسة يصرف لها من ميزانية الدولة ،علي الرغم من ذلك يقرأ بأنه مجرد دفاع عن شخص ! وتقرأ الحرقة التي يبديها مسرحي مثل السر السيد وهو يكشف الكثير من الخبايا والمدسوسات في حمي الجهات المتنفذة بالمجال ، تقرأ هذه الحرقة باعتبارها بحثا عن موقع ما ..!!
وعلي ذلك يمكنك القياس!؟
هكذا تسود حالة من عدم المصداقية وفقدان الثقة والشفافية . وتغيب القيم والمباديء الأخلاقية..التي تليق بالمسرح وبأهل المسرح ؟ ليقض المسرحيين جل وقتهم في نشر غسيل بعضهم، في طقس كبير للضغائن والأحقاد .
فمن الذي له المصلحة في ذلك؟؟
من الذي تسبب في ذلك؟
من الذي عليه مسؤولية أن يعمل هؤلاء؟
من الذي عليه مسؤولية أن يجد هؤلاء المسارح التي يعملون بها، الدعم الذي يمكنّهم علي أي مستوي يحتاجونه ، باعتبار أن ما يقدمونه يقع ضمن ما يسمي بالخدمة العامة التي يستحقها المواطن ، و التي لا غني له عنها ، لتطوره ولاستنارته ، فهي مثلها مثل الماء والكهرباء وغيرها من احتياجات عامة .
بعد ، فأن ما تسببت به المؤسسة الرسمية للمسرح من إشكاليات ، بداية من نسفها المشهود لذاك التقليد المسمي بـالمواسم المسرحية ، وذلك من خلال تأجيرها المسرح القومي، بدلا من دعم الفرق التي تعمل به وتشجيعها ، في مسعى تجاري بائس، ، لواحدة من الفرق المسرحية التجارية ، لشهور طويلة .. يجلس أثناءها عدد كبير من المسرحيين في انتظار انتهاء الإيجار بلا عمل، وبقدر كبير من السأم والضيق. ما أدي لاحقا، فيما يقول المخرج فتح الرحمن عبد العزيز إلي أن تضعف رغبة الكثير منهم في ( إنتاج المسرحيات او اجتراح المبادرات الجديدة )18
بل أدي إلى أن تلجأ الفرق التجارية نفسها إلي النزول أكثر في الاعتماد على بث قيم اللهو والتزجية السهلة والمجانية لتدر المال ـ بالتالي تغيب المسرح معني ومبني ـ الذي يسدد لها إيجار المسرح والأعلام والمواصلات وما لا يعلمون . نزولا . . نزولا ألي أن تشظت ألان في صورة ما تدعي بفرق للنكات !؟
استطراداً ، أن ما تسببت به المؤسسة المسرحية من وقتها لحد ألان من إشكاليات يند عن الحصر ويصعب تعيينه لكن نتائجه على قفا من يشيل ، ولكن وبمبدأ العلمية نشير ألى أن ثمة ما قدم منها ـ المؤسسة ـ في اتجاه ايجابي يستحق أن ينظر أليه بعين الاعتبار وهو تكوينها لفرقة تمثيلية تستوعب بعض المسرحيين، تصرف لهم مرتبات شهرية تكفيهم شر المسغبة . كما أنها ، فيما يفترض ، توفر لهم ظروف عمل مسرحي مؤسسي .. ورش تدريبية ،عروض تجريبية ، مشاهدات ، هنا وهناك، لاغناء خبراتهم ومعارفهم ، قاعات، واستوديوهات·· مركز معلومات يتوفر علي انترنت مفتوح علي المراكز المسرحية بالقاهرة والمغرب وسوريا وغيرها من بلاد،أيضا فيديو ومكتبة .. وأرشيف متكامل .. لسيرة المؤسسة
، لكراسات الإخراج والمقالات التي كتبت بالصحف عن العروض التي قدمت يوما ما ، أرشيف مرتب بصورة دقيقة وعلمية ، مكتبة صور ، تتصدرها صور أولئك الرواد وقد عولجت مما طالها من القدم وأطرت ببروايز ملمعة وفارهة ـ رمزية عرفان ـ أيضا خبراء ومتخصصين يستقدمون من أوربا والعالم من حولنا لدرس في الإخراج أو في التمثيل او..، عربة ترحيل ، حوافز ونثريات تنشطهم وتدفعهم لمزيد من الطموحات والتطلعات نحو فعل مسرحي ثري وأصيل ، تنفتح بهم على مصادر كبيرة للمعرفة والاستنارة ..الخ !
لكن هل يحدث هذا بالفعل؟
إما أن ذلك مما لا يستحقه هؤلاء!؟
ما معني تكوين فرقة تمثيل وهي تفتقر لأبسط المعينات، ماتستلزمه من مال ادني بكثير مما يصرف في كثير من المناسبات التي بلا أية منفعة للناس ، وأن مركز بحثي صغير ، أقامه شخص متوسط الحال ، من حر ماله به كل تلك الامكانات، دعك من مؤسسة ، يدفع لها من مال الدولة،
فأقرأ المفارقة !؟
مؤسسات المجتمع المدني:
لعل السؤال الذي يطرأ الآن هو: ما هو دور مؤسسات المجتمع المدني، خاصة منها المعنية بالثقافة والفنون، في ظل غياب الاهتمام الرسمي به؟·
نشير، بداية، الى حقيقة ان البدايات الاولى لدخول المسرح الى السودان شهدت اهتماماً ملحوظاً من مؤسسات المجتمع المدني بالمسرح، ولقد تعاملت معه، كما اسلفنا، رغم حدودها الضيقة وهويتها الضعيفة، تعاملت معه باعتباره اداة فاعلة لخدمة قضاياها·· نحو التحرير والتنوير· ويمكن القول، قياساً، ان الفضل في ذيوع هذا الفن وانتشاره في ارجاء السودان، لاحقاً، يعود الى مجهودات هذه المؤسسات، ففيما يورده د· خالد المبارك ان (الانجليز لم يكتفوا بالموقف السلبي من المسرح في السودان، بل وقفوا ضده ومن ذلك ان مستر >بيني< مدير المخابرات كان هو الذي يراقب المسرحيات، بل حدث ان استدعى خالد ابو الروس لكي يتأكد من النصوص المسرحية قبل عرضها ) 19·
ود· المبارك ذاته يشير الى ان النهضة المسرحية في السودان ارتبطت بالحركة الوطنية ارتباطاً وثيقاً و.. (كانت المسرحيات تمثل بغرض جمع التبرعات لبناء المدارس الاهلية، وكما هو معلوم فان بناء المدرسة الأهلية بام درمان مثلاً ـ كان تحدياً وطنياً صريحاً للاستعمار وهكذا فان النهضة المسرحية كانت استجابة لتبلور القومية السودانية وقيادتها بواسطة الطبقة الوسطى)20
وفي اتجاه تعيين دور الفعاليات المجتمعية الوطنية، المنطلقة من مواقع اهلية في ذلك الوقت يمكن ان نشير الى نادي الخريجين الذي شهد تقديم مسرحية >صلاح الدين الايوبي< في اكتوبر 1291م ومثّل على مدى الوقت مركزاً للاشعاع الثقافي، كذلك نادي الزهرة ونادي المريخ وغيرها من اندية اسست بالجهد الاهلي وشهدت فعاليات ابداعية وثقافية لا زال صداها يتردد·
ويمكن النظر في السياق، وبصفة خاصة، الى جمعية التمثيل الادبي الخيرية ببورتسودان، فهي فيما تعطي المباحث التاريخية : (تأسست اثناء الحرب العالمية الاولى عام 1916م وكان اول عرض لها هو مسرحية >ديفيد جرك< التي خصص دخلها للصليب الاحمر) 20
هذا غير ما قدمته من انشطة مسرحية اخرى·
ثمة ادوار ايضاً لمؤسسات اهلية، طيلة المرحلة التالية للاستقلال، بعضها كان مواصلة لادوار بذلت ما قبل الاستقلال، من ذلك ما قدم من قبل مؤسسة الاحفاد، ونادي الثغر وغيرها، وصولاً الى الستينيات حيث ستظهر المساهمات الاهلية بصورة واضحة، ثمة ما سمي بالمسرح الجامعي وغيرها من فعاليات مسرحية استطاعت ان توجد حراكاً مسرحياً لم ينمح بعد، بالرغم من انه لم يجد المواعين التي تحفظه في ذاكرة المسرح لغياب التوثيق والكتابة، و صار يجد حظه من النشر والعرض، في الكثير من المناسبات، عبر منابر الشفاهة المتعددة·
عموماً ولأننا لا نثق في قدرتنا على التعيين المثالي لجهود المؤسسات الاهلية في ذلك الوقت، بسبب شح المصادر كما أسلفنا، سنعنى بجهود هذه المؤسسات في الوقت الحاضر·
وبداية نشير إلى إننا نعتقد ان هذه المؤسسات، بالأخص منها المعنية بالشأن الثقافي والإبداعي، عملت على مدى الوقت، على قلتها، في ظروف غير مناسبة، وافتقرت للدفع الاجتماعي والتشجيع الرسمي الذي يحملها على القيام بدورها على النحو المرجو· بل يمكن القول انها، في الكثير من الاوقات، عملت في ظروف معادية ·· صادرت كل امكان لها واضعفت مبادراتها تجاه المجتمع، فثمة مراكز اغلقت من قبل السلطات، وثمة مراكز ضيّق عليها وعلى ما تقترحه من برامج، وعلى ساعات عملها·· الخ·
الى جانب ذلك افتقرت اغلب هذه المؤسسات الى التمويل اللازم لاقامة الانشطة الثقافية وفشلت، في الغالب الاعم، في ان تستمر، بالتالي في ان تثمر فعلاً منظوراً وملموساً، فالاثمار يشترط الاستمرار!·
وواجهت هذه المؤسسات، من بين ما واجهت، اشكاليات تتصل بركود الساحة الثقافية العامة، بالتالي وجدت نفسها، في غالب الوقت، تقدم فعاليات غير ملحوظة أو مطروحة، في الحياة العامة، بالقدر الذي يستقطب اهتماماً وانفعالاً حياً من الجمهور، فالانشطة الثقافية غائبة في المواقع التي يفترض ان تفعلها وتنشطها الدولة، فهذه المؤسسات الاهلية ليست معنية، بكل تأكيد، بالهموم الثقافية والفكرية إلا بالقدر الذي تسمح به امكاناتها المحدودة، وان دورها، دائماً، هو دور تكميلي لما تقدمه الدولة وليس دوراً اساسياً·
ايضاً تضررت هذه المؤسسات من غياب كثير من المبدعين الفاعلين في ما تحاول الاسهام به، بسبب هجرتهم الى الخارج أو بسبب تفضيلهم الصمت، وهم بالداخل، على الحديث في زمن الانقاذ· وغياب هؤلاء المبدعين الفاعلين كان خصماً على انشطة هذه المؤسسات من واقع ان جزءاً كبيراً من ذاكرة الابداع ارتبط بهم، ومن واقع ان جزءاً كبيراً من قدرات التفعيل والحراك متعلقة برمزيتهم، ايضاً من واقع ان القلة القليلة المتحركة بالمجال من المبدعين، في ظروف لا تحسد عليها، ليست فقط تفتقر للقدرة على انتاج فعل ثقافي حقيقي انما ايضاً تفتقر الى القدرة على تعيين ذاتها وهويتها في الزمن الانقاذي الخانق، فهي بلا منابر، بلا مقر، بلا كيانات مؤسسية، بلا·· أي شئ!·
لهذه الاسباب وغيرها تبدو علاقة مؤسسات المجتمع المدني بالفعل الثقافي، بصورة عامة وبالفعل المسرحي بصفة خاصة، ضعيفة للغاية بل تكاد لاتلحظ·
ثمة مؤسسات تحاول، من وقت لآخر بعيد، ان تقارب خلال ما تقترحه من برامج وانشطة ثقافية شأن المسرح لكن ذلك لا يحدث بالشكل الذي يؤسس لعلاقة فاعلة ومؤثرة، وفي الغالب يجئ تزينياً سهلاً ما يلبث ان يذهب ادراج الريح·
وانت اذا بحثت في اجندة هذه المؤسسات، آخذاً في الاعتبار الظروف غير المواتية التي تعمل ضمنها، وجدت انها في غالب برامجها غير منتبهة الى المسرح، فليس ثمة ورش مسرحية، وليس ثمة ندوات أو مؤتمرات!·
واذا نظرت ايضاً تجد ان اغلب هذه المراكز بلا مكان للعرض المسرحي، بل ان قاعات القراءة بها، ان وجدت، تفتقر الى الكتاب المسرحي!، وفي هذا السياق يمكننا ان نستثني مركز الدراسات السودانية ومركز عبد الكريم ميرغني··، فقد قدما مساهمات عديدة في ما يتصل بالمسرح مؤخراً
ومع نشاط المنظمات الأجنبية التطوعية بدأ ملحوظاً اتجاه بعض المنظمات للاستعانة بالمسرح ولقد كان لذلك مردوده الايجابي، إذ استفاد كثير من المسرحيين من ذلك، كما ان ذلك انعكس بصورة طيبة على بعض القرى والمدن إذ شيدت بها مسارح، كما شهدت ساحاتها بعض العروض المسرحية، كذلك مدارسها وأنديتها·
لكن ثمة إشكاليات عديدة نهضت هنا ليس اقلها أن إسهام هذه المنظمات الغربية يقع في دائرة همومها وأهدافها الخاصة بالمجالات الإنسانية العامة التي تعمل بها من مثل رعاية الأيتام، رعاية الطفولة، محاربة الأمراض·· الخ، أي انها غير معنية بصفة شخصية بالمسرح، إنما بالصفة التي تحقق لها إمكانية إيصال رسالتها!·
لهذا تجد ان من الصعوبة ربط ما تسهم به هذه المنظمات بالفعاليات المؤثرة في السيرة المسرحية العامة·
كذلك من الإشكاليات ان فائدة علاقة هذه المنظمات بالمسرح لا تعود على الحركة المسرحية انما لبعض المسرحيين! ولكي نوضح ذلك نشير الى ان هذه المنظمات التي تتعانق من وقت لآخر مع المسرح لا تجد مؤسسة مسرحية تخاطبها وتتصل بها في الوقت الذي تريد ان تفيد خلاله من المسرح· لذا فانها تخاطب أفرادا، يتحولون مع الوقت الى زبائن على مدى الوقت لمشاريعها، تخاطبهم متى ما احتاجت!·
ومن بين ذات هؤلاء الافراد ظهر من استغل اهتمام هذه المنظمات بالفنون متى ما اتصلت ببرامجها، فاتجه الى تأسيس مراكز ـ شبيهة بأكشاك البيع ـ بلافتات مسرحية ليستقطب من خلالها دعم هذه المنظمات· وانت اذا نظرت الى هذه المراكز وجدت فقط رزمة من " " "التصورات" التي تربط المسرح ببعض قضايا هذه المنظمات، وجهاز حاسوب مفتوح على الانترنت ومراسلات في هذا الاتجاه!·
يقوم على هذه المراكز بعض المسرحيين بالطبع، يتكسبون بصورة سهلة ومجانية من عملهم هذا، فهم لا يفيدون من هذه العلاقة بالشكل الذي ينعكس على مجمل الحركة المسرحية، بل يتحولون الى وكلاء لهم اطماعهم الرأسمالية النهمة والتي تدفعهم الى هضم حقوق بعض صغار المسرحيين الذين يتم استثمارهم في جانب من المشاريع المشتركة بين هذه المراكز والمنظمات المانحة··، تدفعهم الى ماهو اكثر من ذلك!·
الى ذلك، صرفت هذه الفرصة المتوفرة لدى هذه المنظمات الغربية الكثير من المسرحيين عن الاهتمام بالواقع المتردي للمسرح، بالتالي غاب كل امكان يمكن ان يتوفر منهم في اتجاه تغيير الوضع القائم!·
وفي الحديث عن مؤسسات المجتمع وعلاقتها بالمسرح لا يمكن تجاوز مؤسسة مسرح البقعة المعنية اكثر من غيرها بالمسرح، وفي ما يتصل بهذه المؤسسة التي تتبع للمسرحي علي مهدي كنا عددنا، في مقال سابق، جملة من الإشكاليات تحيط بعلاقتها بالمسرح، من ذلك أنها لا تفكر بصورة مؤسسية في المسرح، وان اغلب فعالياتها غلب عليها طابع الارتجال والخفة والاستسهال، ولقد تمحورت في اغلبها في صيغة مهرجانية سنوية لا تخلّف أي صدى فاعل ومؤثر على الحركة المسرحية·
وهذه المؤسسة تختلف عن سائر منظمات أو مؤسسات المجتمع المدني بكونها تفيد من الاجهزة الحكومية في دخولها المالية تحت مسمى "الشراكة الذكية"وهي تقيم منذ ست سنوات مهرجاناً للمسرح سنوياً، لمدة اسبوع كل عام، في ظروف اقل ما يمكن ان توصف بها انها فوضوية، تفاقم أزمات المسرح يوماً بعد يوم بدلاً من ان ترفعها!·
و حتى يمكن للقارئ ان يمتلك تصوراً لهذا المهرجان يمكنه من الحكم عليه نشير الى انه وبالرغم من مرور ست سنوات على هذا المهرجان فان المكتبة السودانية لا تحفظ أية وثيقة له، ليس ثمة كتاب خرج عنه، ولا تسل عن إحجام كثير من المسرحيين عن المشاركة فيه، لا تسل عن التقرير الأخير الذي أعدته اللجنة المحكمة في عروض الدورة الاخيرة للمهرجان وما كشفه عن عدم انضباط يسود المهرجان·· ولا مؤسسية تقف خلف فعالياته·· الخ·
الهيئة الدولية للمسرح (I . T . I)
تمثل الهيئة الدولية للمسرح واحدة من الفعاليات المهمة في اشاعة ونشر فن المسرح، وهي تبذل في هذا السبيل الكثير من الامكانات· ويتضاعف دور هذه الهيئة التابعة لليونسكو في دول العالم الثالث بصفة خاصة، وهي تنشيء لها مكاتب بهذه الدول تتعالق من خلاله مع المبادرات المسرحية وتدعمها، بوسائل شتى، بغية اثرائها ومد نطاق تأثيرها، في مناطقها·
وفيما يتعلق بعلاقة هذه الهيئة بدافع المسرح في السودان نشير بداية الى اننا، نعتقد ان هذه العلاقة مفقودة تماماً، فليس ثمة مشاريع منظورة اقترحتها هذه الهيئة هنا·· ليس ثمة ورش، او مؤتمرات، او بعثات·· او··، او على الاقل ان ذلك غير معلن عنه!·
ليس ذلك فقط بل ان هذه الهيئة ليست معروفة - في حد ذاتها - بالنسبة لكل المسرحيين السودانيين - عدا القلة التي تدير مكتبها - لا احد يعرف مكانها، لم يطلع اي مسرحي على اية منشورات تعرف بها، وبطبيعة ما تقدمه بوصفها هيئة دولية معنية بالمسرح!·
منذ وقت رشحت من بين بعض المقالات التي كتبها الناقد السر السيد، رشحت معلومات كشفت عن: أزمة معلومات تتعلق بهذه الهيئة، فلا شيء يعرف عنها لدى المسرحيين!·
من بين ما رشح خلال تلك المقالات وتحقيق اجرته صحيفة الحياة ان المعلومات المتعلقة بعلاقة هذه الهيئة بواقع المسرح في السودان غائبة حتى لدي اوثق الجهات المفتوحة على هذه الهيئة وهي وزارة التربية والتعليم التي من المفترض ان تكون مفتوحة عليها باعتبار انها - الهيئة - جزءاً من فعاليات اليونسكو، والتي تدفع لها الدولة رسوم اشتراك معينة حتى يحق لمواطنيها ان تستفيد مما تقدمه من مشاريع· ولنربط حديثنا حول هذه الهيئة ونقصره في شأن: غياب المعلومات فقط!·
ففي ذلك ما يعطى تصوراً كافياً، في اعتقادنا، عن الاشكاليات المتصلة بمكتب هذه الهيئة او فرعها في السودان، وفي هذا الاتجاه نشير الى اننا نميل الى الاعتقاد ان تغييب المعلومات هو وجه من وجوه السوء العديدة التي نالت من الحركة المسرحية في السودان من قبل هذه الهيئة·
بعد، بالنسبة لنا ان الامر يتعلق، كيفما تجلى، بمن اوكل اليهم شأن ادارة مكتب هذه الهيئة في السودان، فنحن نثق تماماً من ان هيئة دولية تابعة لليونسكو لا يمكن لا يمكن ان تغييب المعلومات المتعلقة بطبيعة دورها·· فلا توفر المنشورات المعرفة بها، ولا تقيم الندوات التي تضيء مشاريعها، لا يمكن ان تفعل ذلك وتدمغ من لا يعرفها بالجهل وضيق الافق وغيره!·
الاقرب بالنسبة لنا، والذي يمكننا ان نفهمه هو ان من اولك اليهم شأنها في السودان كان بالنسبة اليهم الافضل هو الا يعرف المسرحيين اي شيء عنها ولم ير اي واحد منهم ان من حق هؤلاء المسرحيين الانتفاع باية معلومة تتعلق باعمالها، ومنحها النوعية (البعثات العلمية، المؤتمرات الدولية، الدعم المالي··)!·
ان من اوكل اليهم شأن هذه الهيئة ضيعوا على الساحة المسرحية، على مدى الوقت، الكثير من حظوظها المستحقة، وذلك من خلال سياسة التعتيم التي اتبعوها، ثم·· هم لم يقترحوا من مواقعهم بها المشاريع التي يمكن ان تقلل من حال البؤس الذي يعم الساحة المسرحية، ولاهم ملكوا غيرهم المعلومات التي تعطيهم الفرصة في نيل ذات المواقع وتفعيلها لخدمة الساحة بضمير ابيض، اصيل!·
المراكز الغربية
ذات الاشكاليات التي نهضت في علاقة المؤسسات والمراكز الثقافية الوطنية نجدها عند الحديث عن علاقة مراكز الثقافة الغربية بالحركة المسرحية في الخرطوم، فثمة ركود الساحة المسرحية وضعفها لم يطرح امكاناً مناسباً لدى هذه المراكز الغربية حتى تخلق علاقة ملحوظة مع الفعاليات المسرحية السودانية، اذ لم تجد المبادرات الفاعلة التي يمكن ان تحاورها وتتفاعل معها·· متيحة لها ما لديها من امكانات مادية على نحو ما يحدث في كثير من العواصم الغربية·
الى جانب ذلك·· كون ان هذه المراكز غربية - أي ان صفتها ليست سودانية، كان له دوره في ابتعاد بعض المسرحيين عنها بتبريرات من لدن ان لدى هذه المراكز اجندة خفية، وان لها مساعيها في تنميط الثقافة السودانية، تكريساً للثقافة الغربية·· بل اننا لا نرى لها اية فعاليات ثقافية عدا المركز الثقافي الفرنسي، ولقد تراجع، وكثيراً، المركز الالماني، بالأخص في علاقته بالمسرح! والفرنسي يغلب على شغله كورسات اللغة الى الحد الذي يعطي انطباعاً بأنه مجرد معهد لغة اكثر من كونه مركز ثقافي يوزان، بشكل عادل، في مقاربته لمختلف الفعاليات الثقافية·
والشاهد ان شأن المسرح داخل هذا المركز لم يطرح بالصورة المناسبة مع امكاناته، ومن النادر للغاية ان تقدم ضمن برامجه فعاليات مسرحية، ذات اثر، وفي المرات القليلة التي يقدم فيها المسرح ثمة وجوه محددة·· ثمة فرق محددة، نشاهدها كل مرة، وهي ليست بالقدر الذي يمكن ان يؤثر او يدفع باتجاه خلق نشاط مسرحي حقيقي·· ان امكاناتها اقل من ذلك بكثير·
ولا يمكننا ان نغفل جانب مهم يتصل ببعض الفاعلين في هذا المركز من المسرحيين السودانيين وهو: انهم يتصلون بأنشطة المركز بدافع السفر من خلاله الى فرنسا، اي ان من بينهم، لعلهم الاكثر، من ليس مهموماً بالمسرح·· انما بالهجرة وما انفعالهم بالمسرح ومقاربتهم لقضاياه عبر قاعات ومسرح المركز الا ذريعة·· او وساطة للسفر الى باريس·
الهجرة
تأثر المجال المسرحي السوداني مثله مثل العديد من المجالات الاخرى، عقب استيلاء الانقاذ على السلطة 1989، تأثر بهجرة اعداد كبيرة من الفاعلين به الى الخارج، اما بسبب ضيق فسحة العيش،واما لاسباب سياسية، على نحو ما عرضنا في اجزاء سابقة من المقال·
ونشير الى ان محاولة تعيين تأثر المجال المسرحي بهجرة اعداد كبيرة من الفاعلين به هو مما لا يمكن القيام به على النحو الذي تستلزمه الكتابة العلمية، وذلك لاسباب عديدة ليس اقلها انه لا يوجد أي محضر يقيد هذه النسبة المهاجرة ويمكن الاستناد عليه، كما لا توجد أي مقاربات أو بحوث أو دراسة سابقة قرأت الأمر وحددته بصفة يمكن الاعتماد عليها هنا - أو قل اننا لم نحصل على ذلك·
لهذا السبب رأينا ان نقيس تأثير هذه الهجرة على المجال من خلال تعينينا لعلاقة بعض المهاجرين ببعض الفعاليات والتجارب المسرحية المعروفة مثل الفرق والجماعات التي نشطت في وقت ما واستطاعت ان تحدث حراكاً فاعلاً في العديد من الساحات والمسارح·
استطراداً·· قراءة علاقة بعض المهاجرين المسرحين بالفرق والجماعات تتيح لنا ان نقيس بصورة اسهل تأثير هذه الهجرة على المجال برمته فالفرق والجماعات متى ما وجدت هي دليل على حراك بالساحة بل يمكن الذهاب في القول الى ان أي ساحة ثقافية ابداعية تفتقر الى التكوينات والاجسام الجماعية هي ساحة قفر ولا يعتد بها والى مافي ذلك··!؟·
في هذه الجهة نجد ان اغلب الفاعلين في الفرق والجماعات المسرحية·· بل اغلب المؤسسين لها هاجروا الى اوربا والبلاد العربية مثلاً·· نجد عندما ننظر الى جماعة (السديم) التي تأسست - فيما يقول احد اعضائها - اواخر السبعينيات وقدمت العديد من الاعمال البازخة مثل (السديم) للشاعر المعروف ادونيس و(مطر الليل) لمحمد محي الدين و(ضو البيت) للطيب صالح و(سهرة مسرحية) لمصطفى احمد الخليفة و(التحدي) لخطاب حسن احمد·· الخ ولقد استطاعت هذه الجماعة ان تنقش اسمها ببريق خاص في مجالس الانس المسرحي والشفاهة والقعدات الى جانب بعض الزوايا الصحفية بل ببعض البحوث والدراسات التي انجزها طلاب كلية الدراما والموسيقى·· الخ·
نجد عندما ننظر الى هذه الجماعة التي توقف نشاطها منتصف التسعينيات ان ابرز الفاعلين فهيا هاجروا ولنذكر هنا تمثيلاً (يحيى فضل الله، عادل السعيد، الرشيد أحمد عيسى، حاتم محمد محمد صالح والسماني لوال·· و جمال محمد أحمد (سوزي) وعبد الجبار عبد الله، عبد الحافظ محمد خير·· الخ·
كذلك فرقة (شوف) وقد فقدت مؤسسها عبد المنعم إبراهيم إذ هاجر الى هولندا· فرقة (النفير) افقدتها الهجرة عبد الباقي مختار، عاطف خيري، غدير ميرغني (هاجر لفترة مؤقتة) كذلك هنالك فرقة (الاصدقاء) التي افقدتها الهجرة السني دفع الله، بدر الدين شيبة·· الخ·
غير هذه الفرق والجماعات نستطيع القول ان هنالك العديد من الكيانات التي انتسب اليها بعض المسرحيين المهاجرين فيما كانوا بداخل السودان·· لكن للأسف حال عدم التوثيق وضعف النشر تضعف أي امكانية تحاول تعيينها وتحديدها·
عموماً·· اننا نعتقد ان في ما ذكرنا ما يدل بصورة واضحة على الاثر السالب الذي خلفته هجرة بعض المسرحيين في السودان· خاصة اذا عرفنا ان هذه الفرقة والجماعات التي ذكرنا متوقفة عن النشاط تماماً، بل يمكن القول انها لا توجد! ولا نستطيع ان نعزل هجرة هؤلاء المسرحيين عن اسباب تدهور حال هذه الفرق والمبادرات، فمن بين الاسماء المهاجرة التي عددناها من كان مؤسساً لبعض هذه الفرق، وان من بينهم من ارتبطت قدرات التفعيل والحراك الايجابي لدى هذه الفرق على وجوده، لذلك - كما اسلفنا - تردت الاحوال بهذه الفرق وادى ذلك ضمن ما ادى الى ان يتوقف عطاء هذه الجماعات وذلك بالطبع الى جانب ما عددناه من اشكاليات سابقاً·
غير من ذكرنا هنالك من بين من هاجروا خطاب حسن أحمد، محمد طه امفريب و عبد العظيم حمدنا الله، تماضر شيخ الدين، هادية بدر الدين، تحية زروق، نادية جابر، يوسف عيدابي، إبراهيم سلوم، عز الدين هلالي، بدر الدين حسن علي، منى عبد اللطيف، يحيى الحاج، منى عبد الرحيم·· الخ· ومن بين هذه الاسماء من كان يكتب المقالة، من بينهم المترجم والمخرج والممثل المتميز·· ونجد ان شخص مثل محمد طه امفريب مثلاً كانت له مساهمات نوعية في النقد الى جانب الترجمة·· وهو والى جانبه ابراهيم سلوم شاركا بفعالية عالية في اعداد البرامج الثقافية باذاعة البرنامج الثاني بالهيئة القومية للاذاعة والتلفزيون في الثمانينيات·
الى ذلك مما لا شك فيه ان غياب هذه الاسماء مثلما أثر في حاضر الحركة المسرحية على نحو ما عرفنا لا نشك في انه سيؤثر في ذاكرة المسرح السوداني القادمة·
ختام
لقد حاولنا خلال هذا المقال ان نعين بعض ما رأينا انه يمثل اشكاليات تعوق الحركة المسرحية السودانية، ولقد اشرنا الى اننا عانينا من شح المصادر وغياب المعلومات·
ولا نرجو لهذه المادة إلا ان تكون مدخلاً لاثارة الاسئلة حول قضايا المسرح·· نحو تأسيس ضرب من الممارسة النظرية الجادة في سيرتنا المسرحية، ولا نستطيع ان نغفل عن شكر بعض الاخوة الذين تحاورا معنا، هنا وهناك، وتبرعوا لنا بالكثير من النصح المقدر
الهوامش
1- عز الدين هلال - حركة النقد المسرحي في السودان في البدايات الأولى ألي 1985 (رسالة دكتوراة لم تنشر) اكاديمية الفنون القاهرة 4991· ص 7·
2- الصادق الرضي - ازاحة الصمت عن مداد الصمت - ورقة قدمت بورشة قصيدة النثر - الخرطوم - فبراير 6002م·
3عز الدين هلال - مرجع سابق - ص 8
4عثمان جمال الدين ـ الفلكور والمسرح - اصدرات ااروقة ـ الخرطوم ـ ص 9
5- اليسع حسن أحمد - النقد الدرامي في الصحافة السودانية - رسالة ماجستير كلية الدراسات العليا جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا·نوفمبر2003·ص63
6- السر السيد - دوائر لم تكتمل - اصدارات مركز القاهرة لحقوق الانسان · القاهرة ·ص 30·
7- سليمان يحيى - حوار ثقافة الاضواء - صحيفة الاضواء 03 يناير 6002·
8- رياض عصمت - المسرح والمؤسسة ـ مجلة الوحدة· ـ اصدار المجلس القومي للثقافة العربيةـ الرباط ـ ص92
9- هاشم ميرغني - إشكاليات الخطاب النقدي - ورقة قدمت بمنتدى النقد كلية الدراما·اغسطس2004·
10- بدر الدين حسن علي - مجلة الاقلام - العدد الخامس - السنة الثالثة 8791· دار الجاحظ وزارة الثقافة والفنون بغداد ص 71·
11- سعد يوسف عبيد - الصورة المسرحية عند الفاضل سعيد ومكي سنادة1967- 1987· رسالة ماجستيرلم تنشر - كلية الدراسا ت العليا جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا·الخرطوم1991· ص74
12- مكي سنادة - المسرح السوداني ظواهره وقضاياه - منشورات المؤتمر القومي للتخطيط الثقافي - عن الاتحاد الاشتراكي لجنة الاعلام والتوجيه- بلا تاريخ وثيقة رقم 7·
13- رياض عصمت - مرجع سابق ص 92
14- محمد شريف علي - مجلة الاذاعة والتلفزيون والمسرح 51 يونيو 8791·
15- صحيفة الصحافة 15/11/1985·
16- يحيى فضل الله - اشارات ثقافية - موقع سودان للجميع - منتدى الحوار الديمقراطي · بوست في بؤس بيئة المسرح في السودان مهرجان البقعة نموذجاً·
17- ربيع يوسف الحسن - فضاءات بديلة - موقع سودان للجميع بوست في بؤس بيئة المسرح مرجع سابق·
18- فتح الرحمن عبد العزيز - صحيفة الأضواء 5 ديسمبر 5002م·
19- خالد المبارك - حرف ونقطة - منشورات المعهد العالي للموسيقى والمسرح ص 7·
20- خالد المبارك - ذات المرجع ص 7·
21- خالد المبارك - نفسه ص 7·
نُشرت هذه الدارسة بمجلة الرافد الاماراتية للكاتب .
عصام ابو القاسم
لا يختلف اثنان الآن في حقيقة ان ثمة مساهمة نوعية قدمها المسرح، هذا النشاط الابداعي المعرفي، للمجتمع السوداني·· في اتجاه النهوض به وترقيته· ويمكن القول إن هذا الفن شكل، فيما لو استعرنا عبارة لمحمد مسكين في سياق قريب، منذ ظهوره مطلع القرن الفائت مظهراً اساسياً من مظاهر البنية الثقافية السودانية· بعد أن مثل أداة فاعلة ومؤثرة لخدمة قضايا التحرير والتنوير جملة هموم واهتمامات الحركة الوطنية وهي تنافح ضمن شروط معقدة من اجل وطن مستقل، وهو بعد - المسرح - لما يزل غضاً وطرياً·· تصارع النخبة المتعلمة بغية إدراجه في السياق الثقافي وقد أدركت، بما غنمت من معرفة واستنارة، أن بإمكانها استثماره، إلى جانب ما قيض لها من إمكانات، في دفع وتلبية مساعيها الكبيرة·، وعلى نحو أكثر قوة ونفاذاً، وهو ما ينهض مثالاً عليه قول حسين ملاسي عام 1932، فيما كان يقدم لمسرحية (وفاء العرب) ببورتسودان: (نعم، ان التمثيل قوة لا يستهان بها· قوة تقول للظالم في وجهه انك مستبد، وتوضح انه لا يحيق المكر السيء ألا بأهله··) "1"
وبضغط شديد، يمكن أن نشير باتجاه الصدى القوي ـ فيما عرضت له العديد من المباحث التاريخية المعنية بالمسرح في السودان ـ الذي خلفته المسرحيات التي شهدتها كلية غردون في العشرينيات والثلاثينيات·· كذلك هناك ما قدم ببخت الرضا ومعهد التربية شندي واندية (الخريجين، الزهرة، المريخ، حي العرب··) حيث أثرت هذه التجارب، دافعة ومقوية لغيرها من عوامل، في الإرهاص بتحديد المصير، بعبارة عز الدين هلالي، ونيل الاستقلال·
وعقب الاستقلال وفي الاوقات الشحيحة التي تجلى خلالها، والبلاد تغالب ظرفاً انتقالياً مثل المسرح موقعاً مهماً لاختبار أسئلة (الهوية، العلاقة بالآخر، التراث، التحديث·· الخ) كما مثل مصفاة دقيقة، فيما يعطي كتاب الحركة المسرحية في السودان1976 - 1987 لعثمان علي الفكي وسعد يوسف، لتنقية القيم الأخلاقية والعادات والتقاليد المحركة لعجلة المجتمع·
اذن، لقد كان للمسرح، بفضل دوره الحيوي هذا، أن كسب مكانة واضحة ضمن البنية الثقافية وغدا تجلياً اصيلاً من تجلياتها وهو ما يمكن ان ندلل عليه بالاشارة الى اتجاه إدارة الفنون الاستعراضية، على عهد الفكي عبد الرحمن، في إقامة المواسم المسرحية ابتداءً من العام 1976 الى نهايات السبعينيات، لتمثل رافداً من روافد أغناء وإثراء نهر الحياة السودانية اليومية وقتها، كما يمكننا أيضا الإشارة إلى إنشاء المعهد العالي للموسيقى والمسرح.
لكن كما هو معروف ما لبث ان تدهور الحال في حقبة الثمانينيات وحكم مايو الشمولي يزيد من تضيقاته ويحكم طغيانه؛ ليسوء حال المسرح وتغيب المواسم المسرحية·!
وبقى الحال على ما هو عليه وصولاً إلى اللحظة الراهنة·· فقط ثمة عروض مسرحية تجارية كان يشهدها المسرح القومي، من وقت لآخر، وما كان لها إلا ان هبطت بكل القيم والتقاليد التي أرستها أيام المواسم المسرحية·، ونتج عن ذلك ان نهضت العديد من الإشكاليات نحاول هنا ان نعين بعضها لعل في ذلك ما يوفر امكاناً للحلول·
الكتابة والنشر
الواقع·· يبدو للمرء وكأن ثمة اتفاق بين عدد ممن اجتهدوا في تقصي الأمر على قصر نفس الكتابة لدى السودانيين، فيما لو استعرنا عبارة لمحمد المكي إبراهيم التلخيص المثالي للأمر نجده في سؤال للشاعر عبد الرحيم ابو ذكرى للشاعر محمد المهدي المجذوب: (لماذا نحن أصحاب الديوان الواحد او القصة القصيرة الوحدة "····" لماذا نحن شحيحو العطاء بهذه الطريقة) " 2" ويعنينا عز الدين هلالي في تعزيز انحيازنا لما يستبطنه السؤال، حينما يخلص، بعد رحلة طويلة في سيرة حركة النقد المسرحي في السودان، الى ان يقدم رسالته لنيل الدكتوراة بعبارة احمد الطيب الدالة:
(ان ثقافة هذه الأمة ثقافة شفوية تعتمد على القصص المروى والنوادر المحلية وعلى المدائح النبوية "···" فلقرون ظل الناس يسمرون في ضوء القمر وفي ضل الضحى· وقل فيهم من كانت القراءة هوايته ومسرته، فالثقافة المكتوبة امر مستحدث لم تثبت جذوره بعد، وحتى عهد قريب كانت الكلمة المكتوبة وقفاً على بعض بيوت الدين وقلة ممن رحم ربي - ولا ننسى ان القراءة عادة لا يسهل اكتسابها وهواية تشق المواظبة عليها··)·3
وفيما نرجو ان يكفي ما عرضنا له اعلاه كمؤشر على المشكل، نشير الى اننا رأينا ان نبتدر بعرض هذه الاشكالية لاعتبارين الاول يتمثل في حقيقة ان هذه الاشكالية ظلت مرافقة لسيرة المسرح في السودان منذ بداياته الأولى، بخلاف الإشكاليات الأخرى·، على الأقل التي سنتناولها هنا، الاعتبار الثاني وربما كان ذاتياً وهو تأذي هذه المقالة، بصورة مباشرة، من شح المصادر وغياب المعلومات وهو أمر تسبب فيه بالطبع او في جزء كبير منه، غياب تقليد الكتابة·
بعد لعله سيكون صنيعاً غير صائب ان نحاول التحدث عن اهمية الكتابة، فغير اننا لا نثق في امتلاكنا قدرة الحديث هنا فاننا نعتقد ان هنالك العديد من المباحث عنيت بالأمر واعطته ما لا نستطيع تجاوزه·
نشير الى اننا ننحاز الى الرأي القائل ان مشكلة النفس الكتابي القصير ترافقها مشكلة أخرى هي: النشر، فالقليل الذي كتب لم يجد اي اهتمام ونشير هنا لتلك النصوص المسرحية السودانية العديدة التي قدمت على أيام المواسم المسرحية، فهي لم تنشر، كما إننا لم نجد أية إصدارة تنبعث شأن تلك المواسم وقدمت مقاربات عنها على ما لذلك من أهمية ثقافية وفنية وتاريخية·
ولننصت لعثمان جمال الدين وهو يقول بـ (خلو المكتبة السودانية من الإنتاج النظري منذ معرفة السودانيين للمسرح عام 1881 الى الآن المعاصر حيث لم يتعد ذلك بضع عناوين "دراسات في المسرح السوداني" للدكتور الطاهر محمد علي "حرف ونقطة·· تاجوج" لدكتور خالد المبارك "الحركة المسرحية في السودان، سعد يوسف وعثمان علي الفكي·) 4 وغير عثمان جمال الدين هنالك عدد من الباحثين يرددون ذات النغمة وهو ما يجعل المرء يبدى استغرابه: لماذا لم تؤثر هذه الأسئلة باتجاه حل هذا الإشكال حتى نؤسس منهجاً للمسرح؟ لو استعرنا عبارة لعثمان جمال الدين نفسه، يخرج به من دائرة العفوية والمجانية ويرفعه من وهدته التي تردى فيها بفعل سياسات الانظمة السياسية ونظرتها المرمدة له منذ الثمانينيات وصولاً الى الوقت الحاضر·
ومما لا شك فيه ان غياب المجلة باستثناء تلك الإعداد المحدودة لمجلة الموسيقى والمسرح او الدورية المتخصصة في شؤون المسرح، وغياب النص، عن ارفف المكتبات ومناهج التعليم اثر بصورة كبيرة، في معارفنا وعلاقتنا، لأجيال، بهذا الفن الكبير، أثر بصورة اكبر في خبرات وتجارب القلة القليلة من المشتغلين به في ظروف معيشتهم·· قيمهم ومبادئهم·
وما الصورة البائسة التي يتجلى بها المسرح في الخرطوم (اذ انه غائب تماماً في الاقاليم) الا نتيجة مباشرة لكل تلك الغيابات·· ازمة النص، التمثيل، النقد، الجمهور، الاتحاد·· الخ، كل تلك المفاصل المكونة للمسرح مأزومة لأنها، بلا ذاكرة، بلا تراكم محفوظ وفاعل، يشحذها ويغذيها بالطاقة اللازمة للاشتغال، لطرح الرؤى والأفكار الأصيلة، التي يليق بنا ان ننسبها لاي الفنون هذا·
حتى لا يطبع القول بالتعميم نمثل لسوء تلك الغيابات بحقيقة إننا لاحظنا ان قراءة اتجاهات البحوث المقدمة من شعبة النقد بكلية الدراما تكشف عن توجه مستقر وثابت، منذ وقت طويل، لجهة دراسات الفلكلور، الى درجة ان يتساءل المرء هل هي كلية معنية بالمسرح ام بالفلكلور؟ قد يقول قائل ان المعارف الإنسانية تتقاطع وتتداخل وتفيد من بعضها ويزيد في تفسير الأمر بأن يشير الى ان هذه العلاقة بين كلية الدراما ومعهد الدراسات الأفريقية والآسيوية نشأت نتيجة لدفع سؤال الهوية وان ما يلمس من تسلل قضايا الفلكلور الى قضايا المسرح هو بعض مما لزم على أكاديمية المسرح ان تقدمه في معاورتها للسؤال· وقد يكون هذا القول صائباً بدرجة ما، ولوقت ما من عندما نواجهه بالاسئلة الآتية: لماذا لا توجد بذات القدر اتجاهات بحثية تستهدف قضايا المسرح الخاصة·· فنيات العرض، رموز الحركة المسرحية، المهرجانات، التاريخ··؟ لماذا لم يقصد المسرح في حد ذاته، صحيح ان حال الركود الذي عم الساحة المسرحية منذ الثمانينيات ربما تسبب في ان يضعف حس الارتباط، لدى اجيال من الخريجين، بأسئلة المسرح لكن لماذا لم توضع اية خطط واستراتيجيات لمقاربة حال الركود هذا نفسه لجهة اجتراح الحلول له، ومن يسأل عن ذلك سوى الكلية نفسها؟·
يالنسبة لنا ان معهد الدراسات الآسيوية والافريقية الذي انشيء في الستينيات لدراسة مكونات الثقافة السودانية حظى بأكاديميين فاعلين انفتحوا، والمعهد على عتبة التأسيس، على النظريات والمقاربات الغربية وافادوا من مناهجها في الحفر في تربة الفكلور السوداني واسسوا لمكتبة غنية في وقت قصير· الشيء نفسه حدث بملكية الدراما حينما كان يوسم (المعهد العالي للموسيقى والمسرح) وثمة اسهام مقدر تحفظه مكتبة الكلية في هذا السياق لهاشم صديق·· فلقد ركز على عهده كأستاذ بالأكاديمية في اختبار المعارف والنظريات المستقدمة من الغرب من خلال واقع الممارسة المسرحية السودانية، والشاهد اننا لاحظنا ان كثير من البحوث التي اشرف عليها، ونعتقد انه أوعز بأسئلتها للطلاب، عنيت بمقاربة قضايا من لدن (مسرح الثلاثينيات) (النقد في الثلاثينيات)·
(الواقعية ومسرح حمدنا الله عبد القادر) (مسرح السبعينيات)·· الخ هذا الى جانب ان الرجل ابتكر تقليداً ذكياً وهو محاورة رموز الحركة المسرحية عبر تسجيلات كاسيت لتحفظ بالمكتبة الصوتية·
وقد حوت ذكرياتهم وخبراتهم التي اكتسبوها من ارتباطهم بهذا الفن·
والى جانب الجهد الشخصي لهاشم صديق في لملمة سديم تلك اللحظة المسرحية المتأخرة بالإشراف على بحوث ودراسات تحاورها وتستجلى ما انطوت عليه من قيم اجتماعية وفنية·· كانت هنالك جهود اخرى لأساتذة آخرين في ذات الاتجاه·
لعل في الإشارة الى حقيقة ان تلك الفترة أثمرت الإصدارة اليتيمة المعنية بالمسرح وهي مجلة الموسيقى والمسرح، لعل في هذه الإشارة ، ما يعبر بوضوح عن نوعية الاهتمام الأكاديمي بالمسرح وقتها·
صحيح ان ذلك الإهتمام لم يسلم من بعض الإشكاليات ـ ليس هنا محل مقاربتها ـ لكنه بالمقابل كان تأسيساً واعداً لنبع معرفي في شأن المسرح السوداني، وربما حصلنا على صدى لذلك عندما ننظر في سيرة بعض التجارب المسرحية التي أسهمت بها فرق وجماعات قادها بعض الطلاب وقتها مثل جماعة مسرح الشارع ومسرح الرجل الواحد ، فلقد أفادت مما تلقته من معارف ونظريات في كل ما يتصل بالمسرح·· التمثيل، الاخراج، النقد·· الخ، وبالاساس امتلكت وعياً وتمثلا بهذا الفن وبدوره في الحياة، فأقدمت، بجسارة، وفي ظروف غاية في التعقيد، على اشاعته ونشر رسالته·· في الشارع، الاحياء والقرى والمدن المهمشة·
لكن، كما هو معروف، ما لبث ان تبدل حال البلاد والعباد كلية، مع استيلاء نظام الإنقاذ على الحكم 1989، ليغلق المعهد ، مطلع التسعينيات، مثلما أغلقت وجففت قبله المنابر الثقافية والإبداعية العامة، على قلتها ، وطورد المبدعون وهجروا اغلقت منافذ الكتاب الوارد من مصر وسوريا وغيرها من بلدان العالم·· غابت الدوريات والمجلات· وعم الركود كامل المشهد الثقافي·
قرضت سنوات الإغلاق تلك، التي استمرت من(1991 الى 1994) 5 حلقة مهمة من سلسلة تطور الإهتمام العلمي بالمسرح، ولعل مما زاد الطين بلة، انه حينما سمح بفتح المعهد كانت الساحة المسرحية، حال المشهد الثقافي برمته، تعيش جدباً لا حد له، تسببت فيه كثير من العوامل، ليس اقلها هجرة اعداد كبيرة من المسرحيين الفاعلين الى اوربا والبلاد العربية، وتفضيل القليل الذي بقي منهم الصمت بدلا" عن المشاركة في خلاء المسرح، اذا جاز القول، فلقد انعدمت كل الإمكانات وسدت الطرق، ويلخص لنا السر السيد، الناقد القريب من اضابير ودهاليز الساحة ، تلك اللحظة الممتدة ـ بصورة ما ،الى الآن قائلاً:
( بكلمة واحدة لقد تراجع المسرح في عهد الإنقاذ تراجعاً كبيراً· بل هو الآن يلفظ انفاسه الأخيرة، ففي عهد الإنقاذ لم يقدم المسرح القومي منذ العام 91 ـ94 ولا مسرحية واحدة وبعد ذلك تحول الى دكان لا يبيع فيه ولا يشتري الا من استطاع اليه سبيلا "·····" في عهد الإنقاذ تحول مسرح قصر الشباب والأطفال ومسرح ام درمان الأهلي الى مكان لعرض الأفلام الهندية وافلام الكاراتية، في عهد الإنقاذ مات مسرح الولايات·· في عهد الإنقاذ اختفت العبارة الشهيرة ـ اعطني مسرحاً اعطك امة لحين اشعار آخر ولا غرابة فحتى المسرح المدرسي مات في عهد الإنقاذ·)6
اذن كان على المعهد ان يغالب الى جانب بؤس الإغلاق الذي خصم سنوات غالية من عمره، الافتقار الى مصدر مهم لحيويته وفعالية ما يقدم فيه وهو: الساحة المسرحية·
والشاهد، ان سنوات عديدة مرت بأكاديمية المسرح وطلابها يدرسون المسرح وأغلبهم لم يكن جزءاً، في أي يوم، من فرقة او جماعة مسرحية ذات تطلعات ومبادرات متقدمة، اغلبهم لم يكن جزءاً من ورشة عمل حول فنون الإخراج والتمثيل، ولم يكن من حظ أي واحد منهم ان ابتعث الى الخارج·
يمكننا ان نتصور وعلى ضوء ما سلف، الى اي حد اضعف ذلك ما نفضل ان نسميه بـ: العلاقة المعرفية للطالب بالمسرح من الجهة المقابلة، معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية وبالرغم من انه افتقر لاهتمام الدولة، بل حورب من قبل البعض ووصف المنتسبين اليه بــ ( الوثنيين)7 الا انه لم يغلق وظل اكاديميوه يقدمون اطروحاتهم وبحوثهم ويثرون مكتبته، وكان ان انفتح طالب النقد، بكلية الدراما، بعد ان لمس فقر مكتبته الخاصة وبعد ان ضعفت علاقته بالمسرح انفتح على هذه المكتبة من خلال درس الفلكلور المدرج بمنهجه، فهي وبما توفر فيها من دراسات وبحوث عديدة تسعفه في أكمال بحث تخرجه، في الوقت اللازم، كما انها تهدئ قلقه الشخصي بسؤال الهوية ، الأكثر صخباً في نفسه ، من سؤال المسرح!·
هكذا فقد المسرح الجهد المنتظر من كثير من النقاد الذين يتخرجون من هذه الكلية·· فقد بحوثهم ودراساتهم وهم داخل الكلية وهم خارجها·· اذ لاحظنا ان اعداداً كبيرة منهم ما تلبث ان تتوجه بعد التخرج ايضاً الى معهد الدراسات الافريقية والآسيوية للحصول على الدبلوم العالي، لتستغرقهم سمناراته ومحاضراته حول الثقافات الشعبية وغيره·
بعد، ان حال اتجاهات البحوث المقدمة من طلاب شعبة النقد بكلية الدراما لا يعدو كونه مثالاً واحداً على ما ترتب من سوء لغياب تقليد الكتابة وضعف النشر بالساحة المسرحية السودانية ····· هنالك العديد من الامور السالبة لا يمثل ما ذكرناه ، بصورة معممة ، في بداية طرحنا لإشكالية الكتابة والنشر الا جزء يسيراً منها·
بقي ان نشير الى ان هنالك بضع عناوين اختصت بالمسرح صدرت مؤخراً مثل " فنون الآداء التمثيلي" لعادل حربي"دوائر لم تكتمل" للسر السيد "المسرح التنموي" ابو القاسم قور، "النقد الدرامي" اليسع حسن " اوراق في قضايا الدراما" لسعد يوسف وغير ذلك· لكننا لا نرى انها تمثل حلاً واعداً لهذه الإشكالية فغير ان أغلب هذه العناوين هي عبارة عن رسائل أكاديمية، أو مقالات صحفية ولعل في ذلك ما يشى ويعبر عن الإشكال اكثر من أي شئ آخر، غير أنها كذلك ؛ هي لم تصدر ضمن خطة او استراتيجية نشر مقصودة من قبل المؤسسات المعنية بالمسرح·· اغلبها صدر، كما يتحدث أصحابها، عن طريق العلاقات الشخصية وفي ظروف وملابسات غاية في التعقيد·
المؤسسة الرسمية
وكما يمكن ان يلوح في ثنايا ما ذكرنا آنفاً كان للمؤسسة الرسمية للمسرح على مدى الوقت منذ الثمانينيات، دورها الكبير في قتامة المشهد المسرحي وفي ما يتردى فيه من إشكاليات عميقة· فلقد عجزت عن ان تقدم اية مساهمة نحو تغيير الحال، بل ربما سعت في اغلب الوقت الى ابقاء الوضع على ماهو عليه·
يقول رياض عصمت: (بين قطبي الحرية والسلطة ظل المسرح ينوس عبر التاريخ وبين هذين القطبين، ظهرت المؤسسة لتضبط التوازن الدقيقة احيانا بيسر واخرى بعسر، والمؤسسة تختلف بالطبع، بين لعالم الغربي والشرقي والثالث· فهي في بعض العوالم مستقلة· اما في عالمنا العربي فهي جزء لا يتجزأ من السلطة والطريف ان هذا الجزء محكوم من قبل فنانين)· 8
ومن المؤسف ان عدد كبير من مبدعينا ممن أوكلت اليهم السلطة إدارة بعض المؤسسات الثقافية لم يستطعوا، بعبارة هاشم ميرغني : (اختراق المؤسسة وتجييرها لصالحهم، لتمرير خطابهم اذا استثنينا مجهودات محمد عبد الحي وشيلاب وابراهيم الصلحي في مصلحة الثقافة على عكس ماهو حادث في بلد مثل مصر حيث استطاع المصريون منذ فترة مبكرة اختراق هذه المؤسسة ابتداء من المؤسسة الناصرية حيث قامت نهضة المسرح المصري الستيني على اكتاف المؤسسة الحكومية··)9
وفي جهة المسرح بالأخص ، هذا الفن الذي لا يعيش الا في جو ديمقراطي ، هذا الفن الذي لا يحتمله اي نظام شمولي، تنبهت الدولة السودانية ، بمختلف نظمها ،بذكاء قمعي ،الى سد كل منفذ في وجهه . وذلك عبر توريطها لا برز الفاعلين فيه في ديوان الوظيفة ومحاصرتهم بجملة من القوانين والمبادئ المقيدة ونستثنى هنا تلك اللحظة التي اوكلت فيها إدارة المؤسسة المسرحية للمسرحي الفكي عبد الرحمن فلقد شهدت تلك اللحظة ، كما تعطي العديد من الوثائق ، المحاولة الوحيدة، لإختراق المؤسسة، فيما لو استعرنا عبارة هاشم ميرغني، اذ تحفظ لنا الذاكرة المسرحية ،على بؤسها ، حقيقة ساطعة وهي ان هذا المسرحي استطاع ،بهمة عالية ،وحرقة حقيقية تجاه فن المسرح، ان يؤسس، بإمكانات الدولة ما سمي من البعض ب: لحظة ميلاد المسرح السوداني، بالعام 1967 حيث ابتدرت حينها المواسم المسرحية، او حيث ابتدر مسرح المحترفين نشاطه ، كما يقول بدر الدين حسن· واننا لنجد بالمقالة اليتيمة التي كتبت بدورية ثقافية خارج السودان ، عن المسرح والتي انجزها بدر الدين حسن بالدورية العراقية (الاقلام )، اننا نجد هذه الشهادة عنه:
( بداية نقول ان الفكي عبد الرحمن جاء في وقت مناسب وهو الذي برز من خلال حركة مسرح بخت الرضا واشاد به استاذه د· احمد الطيب اكثر من مرة ،·فلفت انتباه الكثيرين لما يتمتع به من مواهب وقدرات تمثيلية جيدة أهلته لأن ينال منحة حكومية لدراسة فن المسرح في احدى جامعات لندن المرموقة وهناك صقل موهبته وانكب بكل كيانه يغرف من المسرح الانجليزي والعالمي"·····" وعاد من هناك اكثر رواء واشباعاً وحماسة لقضية المسرح وعندما اولكت اليه مهمة إدارة المسرح القومي اعتبر ذلك محكاً وامتحاناً لما يؤمله هو نفسه لانهاض الحركة المسرحية من سباتها· كان اول شعار رفعه الاستاذ هو تغيير نظرة المسؤولين الضيقة للمسرح··)10
عدا ذلك فأنت اذا نظرت الى حال المجال المسرحي منذ الثمانينيات الى الآن تبين لك، مما تراه من حال ركود او نشاط طارئ غير مؤسسي، مقدار فعالية مؤسسة الرسمية للمسرح، ولعل مما له دلالته الخاصة ،ان نشير الى اننا عندما نبحث ، مثلا" ،عن شهادة مماثلة لتلك التي انجزت حول تجربة الفكي عبد الرحمن عندما عهد اليه بإدارة المؤسسة، عندما نبحث عن شهادة كتلك حول دور مسرحي مثل مكي سنادة الذي ارتبط ، بعده ،لعقود بإدارة المسرح القومي فاننا نجد سعد يوسف يكتب عنه:>·· لا يمكن اغفال الفائدة الاكاديمية من البعثات والدراسات التدريبية التي شارك فيها خارج السودان والتي ربما لم تكن تتاح له لو لم يكن احد موظفي المؤسسة المسرحية· بجانب ان وجوده في قمة جهاز الدولة المنتج للعروض المسرحية ـ او بالقرب منه ـ ساعده كثير في انتاج العروض التي يرغب في اخراجها وفي توفير مستلزماتها الفنية بالقدر المتاح مما جعل اغلب عروضه من انتاج الدولة·)·11
ويشف ما قاله د· سعد يوسف عما يحمله جيداً عندما نسأل كم عرض مسرحي انتجته الدولة بخلاف عروض مكي سنادة؟ كما ان ما قاله د· سعد يكشف عن الكثير عندما نقرأه مصحوباً بحقائق من لدن تلك التي ذكره السر السيد ضمن محاولته رسم صورة المشهد المسرحي في عهد الإنقاذ والتي لا تعوزنا الشواهد على تأكيدها.
من ذلك انها تكشف انه في الوقت الذي يضيق فيه علي العديد من المسرحيين من خلال رفع ايجار المسرح القومي ، وعدم الدعم ، والضرائب والاجراءات البيروقراطية وغيرها من عوائق تقتل اي نية للمعافرة ولمقاومة بؤس الحال والحول ، في هذا الوقت يجد مكي سنادة ، من موقعه في المؤسسة الرسمية ، إمكانية لإنتاج عروضه . ،اننا نعتقد ايضا ، من جهة اخري ، ان من بين ما نال هذا المسرحي من انشغاله الاداري انه فقد تلك العلاقة الحميمة التي ربطته بجمهور المسرح واهله والتي خلقها من براعته الادائية في التمثيل ومن حسه الغني والثري في تصميم الديكور ، لقد حدث له مايشبه هذاالذي يعبر عنه المجاز الذي صاغه هاشم ميرغني مرة حول المبدعين الذين تستنفز السلطة قدرتهم بتوريطهم في الوظيفةحيث يتم :(تحويل العسل الذي يجري في عروقهم الي : ماء).
الى ذلك ، فإننا نرى في الجدل الذي ثار مؤخراً حول عودته ـ سنادة ـ الى إدارة المسرح القومي ، بعد انتهاء مدته الوظيفية مؤشراً على استشعار الساحة المسرحية، على ضعفها المريع، ووعيها بضرورة التغيير، خاصة وانه لم يحدث قط ان تململت هذه الساحة هكذا، على مدى تاريخ علاقة السلطة بالمسرح في السودان، لم يحدث ان تململت هكذا وحاولة مغالبة الاقدار والمصائر التي يلقيها عليها السياسي !
يمكننا، وحتى لا يطبع حديثنا عن بؤس المؤسسة الرسمية للمسرح بالتعميم، ان نقدم امثلة عديدة، على الرغم من شح المعلومات· من ذلك يمكننا ان نشير الى حقيقة ان هذه المؤسسة عجزت بالرغم من عمرها المديد عن تشييد مسارح ودور للفعل المسرحي في كثير من مناطق السودان بما في ذلك الخرطوم على الرغم من ذلك يمثل مطلباً ملحاً لاية فاعلية مسرحية، والذاكرة الخربة للمسرح تعطي ان ثمة وقت مر على الساحة المسرحية استطاعت فيه المؤسسة ان تشيد مسارح في كسلا ومدني وغيرها من مدن اقليمية، على عهد الفكي عبد الرحمن وبامكانيات شحيحة للغاية·· تفوقها هذه المتوفرة في الحاضر بدرجات كبيرة·
كتب مكي سنادة والذي هو احد موظفي المؤسسة الرسمية، كتب مرة حول اهمية تشييد المسارح:
( ان تشييد مسارح جديدة يعني على المدى البعيد، على الاقل تشجيعاً لمبادرات جديدة من فرق جديدة قد تكون ذات اثر فعال في مجمل النشاط المسرحي في المستقبل خصوصاً وان المعهد يدفع سنوياً الى ساحة العمل الابداعي عدداً لا بأس به من الخريجين"..." وان تصطدم هذه الطاقات المنفتحة بواقع انتفاء دور العرض فان ردود فعلها تكون غير مؤاتية وبذلك يصاب مسرحنا باضرار جسيمة لا يمكن تقدير مداها في الوقت الحالي، اقلها ان يفقد المسرح احتياطيه من الشباب)·12
لكننا عندما نبحث بعد مرور نحو عقدين على كتابة مكي سنادة لتلك الاسطر المضيئة فاننا نجد بارض الواقع نتيجة أكثر من خائبة·
اذا نظرت الى الاقاليم لن تجد فقط انه لم يتم تشييد مسرح واحد بها بل تجد ان القلة القليلة من المسارح التي شيدت بالمدارس والساحات العامة هدمت أو هجرت فباتت بلا خشبات... بلا مقاعد بلا·· ، باتت (خرابات) يقطنها البوم وما لا يعلمون·
عندما نشير الى ذلك فاننا لا نفعل ذلك مستبعدين لأية محاولات بذلت من جانب مكي سنادة، الذي تختزل، بسبب اجرائي، في شخصه المؤسسة بذلت في اتجاه انزال همومه وتطلعاته تلك على ارض الواقع لكننا نستبعد ان تكون تلك المحاولات قد بذلت بالدرجة التي تجعلها تتحقق·· تتجاوز ما ينهض امامها من عوائق وعقبات، وتثمر فعلاً منظوراً وملموساً، كما هو حال تلك المحاولات التي بذلها الفكي عبد الرحمن·
قد يرجع البعض الامر الى اختلاف الظروف السياسية والاجتماعية التي عمل ضمنها كل من الفكي وسنادة، فالاول برز في ظروف (نهضة ثقافية عامة)، كما تعبر عن ذلك المباحث التاريخية، شهدتها فترة الستينيات، فيما تسلم الثاني زمام امور المؤسسة في لحظة شهدت تراجعاً كبيراً في الاهتمام بالعمل الثقافي من قبل الدولة· ومثل هذا القول قد يكون صائباً بدرجة ما· لكن أليست هذه الظروف ذاتها بما فيها من ملابسات وتعقيدات وضعف اهتمام بالثقافة·· الخ، أليست هذه الظروف هي التي انتخبت واستقدمت للمؤسسة المسرحية مكي سنادة؟ ذلك هو السؤال·
يقول رياض عصمت: (ان السلطات العربية، على تنوع اشكال حكمها ومذاهبها العقائدية، تضع شخصاً مطواعاً في المواجهة، وترفع يدها متظاهرة بالديمقراطية، تاركة اياه يلبي اغراضها)·13
ونرى انه ليس في كل الاحوال كما ذكرنا آنفاً، ان هذا الشخص الذي تنتخبه السلطة والظروف التي تولدها بالمجال الحياتي برمته···، ان هذا الشخص لا يكون مطواعاً في كل الاحوال وان بامكانه ان يحرر موقعه من أية املاءات سلطوية ويدفع كل الوسائل المتاحة لديه للاستجابة لكونه صاحب مشروع ثقافي لا تؤمن به السلطة، في الغالب الاعم، ولا تأمن له، بعبارة رياض عصمت، مثلما فعل محمد عبد الحي، علي الملك، الفكي عبد الرحمن وغيرهم من قبل·
الإتصال بالخارج
وفي اتجاه تعيين بؤس المؤسسة يمكننا ان نشير الى جانب شأن تشييد المسارح، الى شان الاتصال بالخارج· وهو شأن، فيما نرى، لصيق لحد كبير بتفكير المؤسسه، بل يمكن اخذه مقياساً نوعياً على فعاليتها· وهنا نقف على الكثير مما هو مضحك ومبك في ذات الوقت·
لعلنا لا نختلف في اهمية ان تنفتح الحركة المسرحية على الخارج، ان تفيد من المراكز المسرحية، ببعض البلدان الاقليمية والعالمية مما يقام بها من مهرجانات وفعاليات مسرحية في تقوية علاقتها بالمسرح، علومه ونظرياته وفي عكس ما لديها من خبرات ومعارف·
ولقد تنبهت الساحة المسرحية السودانية لذلك منذ وقت مبكر، فشهدت فترات مختلفة حضور فرق مسرحية من بلدان مختلفة·· كما ان ثمة ابتعاثات تمت لمسرحيين الى انجلترا، وبلغاريا ومصر، لصقل معارفهم بالمسرح·
لكن ما لبث ان تبدل الحال كما اشرنا سابقاً، وبدأ مسرحي مثل محمد شريف علي محتاراً وهو يلاحظ ان ثمة ابتعاثات تتم للبعض بصورة تفتقر للشفافية مما حمله الى ان يكتب: (بكل وضوح وصراحة، ولان المسرح منبر صريح اقول ان البعثات الى جمهورية مصر العربية للاستفادة من الخبرة المسرحية هناك تتم على اسس غامضة·· ينالها غير الفنانين ولتعهد ادارة الفنون المسرحية والاستعراضية اسماء الذين وجدوا فرص الكورسات في مصر، من منهم الفنان)·14
ولم يكن استشعار محمد شريف ذاك سوى مقدمة على سيرة طويلة استمرت الى الآن، من الغموض وعدم الشفافية احاطت بأمر البعثات هذا على وجه الخصوص، واحاطت ايضاً بأمر الاتصال بالخارج على وجه العموم·
شواهد متفرقة
في منتصف الثمانينيات نجد سيرة مسرحية (الحافلة) التي كان من المفترض ان تسافر الى قرطاج، لكن ذلك لم يتم لاسباب: غامضة ولقد صورت صحيفة الصحافة مشهد فريق المسرحية وهو في الطريق الى الطائرة المغادرة الى قرطاج بصورة درامية بالفعل اذا اوردت: (دقائق وتقلع طائرة الخطوط الجوية السودانية الى مطار قرطاج الدولي حاملة الوفد المسرحي السوداني لتمثيل السودان·· على سلم الطائرة كانت المفاجأة تنتظر الوفد· صوت ينادي: البعثة تنزل·
وبعد هرج ومرج ووسط دهشة السيد سفير تونس الذي جاء مودعاً الفرقة جمع المسؤولون التذاكر من البعثة وعاد الوفد يحمل عفشه وديكوره وخيبات الأمل في اقصر رحلة شهدها التاريخ، وكان بحق مشهداً درامياً مؤثراً قدمته مصلحة الثقافة على مسرح مطار الخرطوم)· 15
ولعل الجزء الابلغ تأثيراً في تقرير الصحيفة يتمثل في هذه اللوحة:
(حمل الوفد حقائبه رأساً من المطار لمكتب وزير الثقافة والاعلام·· بعد ان استعانوا ببعض كرام المواطنين الذين شهدوا المأساة ليتحملوا نفقات عودتهم، بعد ان تركهم مندوب المصلحة حاملاً معه تذاكر السفر وتبدو عليهم علامات انفعال ظاهرة وخيبة أمل كبيرة)·
يعرض التقرير من بعد لقاء فريق المسرحية مع وزير الثقافة ولعل اهم نقطة في ذلك اللقاء تحديد فريق المسرحية لمخالفات مصلحة الثقافة تجاههم... فـ (الدعوة حضرت الى السودان قبل 5 شهور وظلت حبيسة ادراج الاخ مكي سنادة بعد ملاحقة السفارة التونسية واصرار الملحق الثقافي التونسي بمشاركة السودان طلعت الاوراق من ادراج مكي سنادة· بالرغم من قبول تونس لمسرحية الحافلة بخطاب رسمي 7 أغسطس فان الاخ مكي سنادة لم يعرضه للسيد وزير الثقافة إلا قبل يوم واحد من بداية المهرجان· ايضاً تعمد مكي سنادة عدم ارسال الديكور لتونس في الموعد المحدد بالرغم من تأكيداته بذلك وكان هذا وحده كافياً لنسف البعثة)
بلا شك لا شىء يجعلنا نصدق ما قاله فريق المسرحية لكن ماالذي يجعلنا لا نصدقه ؟
عموما ، ما يهمنا هنا هو الموقف العام: انزال فرقة مسرحية من سلم الطائرة، كيف حدث ذلك؟ " وان الامر ليستحق ان تقوم الدنيا ولا تقعد"·
عندما نتقدم قليلاً في المشهد المسرحي نحصل ايضاً على سيرة مسرحية >اربعة رجال وحبل<، وما يجمع سيرتها بسيرة مسرحية (الحافلة) ان احد اعضائها وهو يحيى فضل الله يشير ايضاً الى ان ثمة مكاتبات تتعلق برحلة المسرحية الى القاهرة، للمشاركة في المهرجان الدولي التجريبي الرابع، تمت ما بين ادارة المهرجان والهيئة القومية للثقافة والفنون، وكان امينها العام احمد عبد العال، تمت (من قبل أكثر من شهر لبداية المهرجان، الاول من سبتمبر، ولكن رغم ذلك فوجئنا بان اجراءات السفر بدأت بعد بداية المهرجان)16
ويضيف يحيى فضل الله: >ضاعت مشاركة السودان في مهرجان القاهرة الدولي للتجريب الرابع بسبب هذا التأخير<·
ما بين السيرتين هنالك العديد من السير المماثلة، ثمة سيرة مسرحية (قبة النار)، فيما يشير الى ذلك يحيى فضل الله نفسه، ومشاركتها في مهرجان بغداد 1992، ايضاً عرض (مأساة يرول) تأليف الخاتم عدلان لذات المهرجان، ايضاً هناك سيرة مسرحية (السيل)، والعديد من المسرحيات·
بل انك لو بحثت اكتشفت أن المرات القليلة التي شارك خلالها السودان، ولأنها لم تأت في الظروف المناسبة والموضوعية، ولان ليس ثمة جهد مؤسسي وقف خلفها، اكتشف ان هذه المشاركات أحاطت بها الكثير من الإشكاليات. ليس اقلها أن السودان لم يجن من أية واحدة منها ـ مشاركاته ـ أية جائزة اعتبارية وان اغلب مشاركاته، خاصة بمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، جاءت شرفية أو علي هامش المهرجان!
بمعني انك إذا نظرت تجد أن المشهد المسرحي في اللحظة التي تجيء فيها الدعوة للمشاركة بمهرجان ما خارج السودان ، او حتى قبلها، يعيش في حالة من الركود الشامل.. بلا حراك ، تعوزه كل ممكنات الفاعلية ، وقد جلس المسرحيين تحت شجرتهم ، لأنهم لا يستطيعون ان يسترزقوا ألا مما يفلحون فيه ـ وهو المسرح ـ في انتظار أية سانحة يستطيعون خلالها الكسب من كونهم ممثلين او مخرجين أو نقادا أو .. او ، ومن وقت لآخر تتوفر لهم فرص شحيحة في التلفزيون ( تمثيلية ، إعلان ، استضافة ، .. ) او فرص أضيق في بعض البرامج التي تقيمها، في السنة مرة ، بعض الجهات الدعوية او التربوية او المنظمات او ..، ينتظرون والحاجة تلح وتضغط على ما بقي لديهم من صبر جميل،الحاجة تفعل فعلها علي ما لديهم من قيم ومباديء ، من حس أنساني فنان . .!!
الحاجة الي ماذا؟
الحاجة إلى ما يسد الرمق ،الحاجة الى ما يسد متطلبات العيش اليومية. . دع عنك، هنا وألان، متطلبات الوعي المسرحي من كتب ومراجع، من ورش ومنتديات ومؤتمرات واستوديوهات ومكاتب و..و..و الخ !!
وان بؤس الحال ليتعين أكثر إمامك، ويقوم بين يديك عندما تسأل: كم عدد المسرحيين في الخرطوم ـ ليس السودان ـ وكم منهم ،من كل الأجيال ، يعمل؟
ومن يعمل منهم، بكم يعمل؟ كم يدفع التلفزيون للممثل؟
على هذا الخلفية اقرأ كيف يمكن أن يتعامل مشهد مسرحي كهذا مع دعوة للمشاركة في مهرجان عالمي، ليس فقط تنطوي علي خروج من دائرة فارغة ، بكل ما تحمل الكلمة من معني ، مثلتها الساحة المسرحية هنا ، إلى دائرة من الفعل المسرحي الخلاق تمثلها دائما مراكز المهرجانات المسرحية بالعالم ،ليس فقط ذلك إنما أيضا تنطوي علي نثريات وجوائز وغير ذلك مما يحق للفنان أن يحصل عليه مقابل ما يقدمه من أبداع .
إن ربيع يوسف حينما يتحدث لنا عن ان ثمة :
( تاريخ سجل بيع بعض أعضاء الفرقة ـ يقصد الفرقة القومية للتمثيل ـ مجهود فرقة شوف في مسرحية إشارة مرور، ومجهود طلبة وخريجي كلية الموسيقي في مسرحية الملك يخرج، ونتاج مهرجان البقعة في مسرحيتي الصدى والآخر والفراشة والسمندل فهي جميعها مسرحيات. شارك بها المسرح القومي في مهرجانات دولية على الرغم من انها لم تنتج في الأصل بهذه المهرجانات بل كما أسلفنا أنتجت في مناسبات مختلفة ) 17
حينما يتحدث لنا عن ذلك يخلص بجملة نوعية تضيء لنا جانب من هذا المشهد المسرحي المتردي على النحو التالي :
( أن أللأخلاق واللا انتماء وصل بأصحاب هذه الأعمال ـ يقصد بعض الأعمال شاركت ممثلة للسودان بمهرجانات دولية ـ التي شاركت حد استبدال أولئك الذين انتموا لهذه الأعمال وأصحابها بآخرين وذلك بدعوى أنهم ليسوا أعضاء في الفرقة القومية تأكيدا لغياب ثقافة الحقوق والمواطنة؛ فلو وعي من باع مجهوده للمسرح القومي بأنه يقف في منطقة القوي ويمتلك ما يبيعه لما تنازل عن حقه في فرص المجموعة التي تمثل معه لكنه للأسف أدمن الإحساس بالدونية. هذا قيض من فيض الفساد الذي ينتظم المؤسسات المسرحية أكاديمية كانت أو عملية· )
غير إدمان الانصياع والإحساس بالقهر والعوز إلي الإرادة، والدونية ثمة إمراض عديدة تسللت إلي الحركة المسرحية بالطبع بسبب ما ذكرنا .
فما الذي يمكن أن ينتظر من هنا !؟
تنهض كثير من المشكلات بالطبع من وراء ذلك وبسببه، تشهدها الصحف والمجالس ـ بالأخص منها تلك التي تبذل للنميمةـ وتغّيب المسؤوليات .. تبعات الفشل والخذلان ،هنا وهناك ، في غبار الشخصي والذاتي وتميّع القضايا العامة ؛ ليقرأ الجهد المسئول الذي يبذله مسرحي مثل ربيع يوسف نفسه او غيره ، في اتجاه تعيين المشكلات التي يتردى بها المجال، متنكبا مشاق وصعوبات الكتابة المعروفة، بغية تقريب الحلول ، يقرأ جهد كهذا، على الرغم من انه يجيء من فرد، لا يملك ما يسعفه حتى في تقضية أموره الحياتية اليومية، وليس من مؤسسة يصرف لها من ميزانية الدولة ،علي الرغم من ذلك يقرأ بأنه مجرد دفاع عن شخص ! وتقرأ الحرقة التي يبديها مسرحي مثل السر السيد وهو يكشف الكثير من الخبايا والمدسوسات في حمي الجهات المتنفذة بالمجال ، تقرأ هذه الحرقة باعتبارها بحثا عن موقع ما ..!!
وعلي ذلك يمكنك القياس!؟
هكذا تسود حالة من عدم المصداقية وفقدان الثقة والشفافية . وتغيب القيم والمباديء الأخلاقية..التي تليق بالمسرح وبأهل المسرح ؟ ليقض المسرحيين جل وقتهم في نشر غسيل بعضهم، في طقس كبير للضغائن والأحقاد .
فمن الذي له المصلحة في ذلك؟؟
من الذي تسبب في ذلك؟
من الذي عليه مسؤولية أن يعمل هؤلاء؟
من الذي عليه مسؤولية أن يجد هؤلاء المسارح التي يعملون بها، الدعم الذي يمكنّهم علي أي مستوي يحتاجونه ، باعتبار أن ما يقدمونه يقع ضمن ما يسمي بالخدمة العامة التي يستحقها المواطن ، و التي لا غني له عنها ، لتطوره ولاستنارته ، فهي مثلها مثل الماء والكهرباء وغيرها من احتياجات عامة .
بعد ، فأن ما تسببت به المؤسسة الرسمية للمسرح من إشكاليات ، بداية من نسفها المشهود لذاك التقليد المسمي بـالمواسم المسرحية ، وذلك من خلال تأجيرها المسرح القومي، بدلا من دعم الفرق التي تعمل به وتشجيعها ، في مسعى تجاري بائس، ، لواحدة من الفرق المسرحية التجارية ، لشهور طويلة .. يجلس أثناءها عدد كبير من المسرحيين في انتظار انتهاء الإيجار بلا عمل، وبقدر كبير من السأم والضيق. ما أدي لاحقا، فيما يقول المخرج فتح الرحمن عبد العزيز إلي أن تضعف رغبة الكثير منهم في ( إنتاج المسرحيات او اجتراح المبادرات الجديدة )18
بل أدي إلى أن تلجأ الفرق التجارية نفسها إلي النزول أكثر في الاعتماد على بث قيم اللهو والتزجية السهلة والمجانية لتدر المال ـ بالتالي تغيب المسرح معني ومبني ـ الذي يسدد لها إيجار المسرح والأعلام والمواصلات وما لا يعلمون . نزولا . . نزولا ألي أن تشظت ألان في صورة ما تدعي بفرق للنكات !؟
استطراداً ، أن ما تسببت به المؤسسة المسرحية من وقتها لحد ألان من إشكاليات يند عن الحصر ويصعب تعيينه لكن نتائجه على قفا من يشيل ، ولكن وبمبدأ العلمية نشير ألى أن ثمة ما قدم منها ـ المؤسسة ـ في اتجاه ايجابي يستحق أن ينظر أليه بعين الاعتبار وهو تكوينها لفرقة تمثيلية تستوعب بعض المسرحيين، تصرف لهم مرتبات شهرية تكفيهم شر المسغبة . كما أنها ، فيما يفترض ، توفر لهم ظروف عمل مسرحي مؤسسي .. ورش تدريبية ،عروض تجريبية ، مشاهدات ، هنا وهناك، لاغناء خبراتهم ومعارفهم ، قاعات، واستوديوهات·· مركز معلومات يتوفر علي انترنت مفتوح علي المراكز المسرحية بالقاهرة والمغرب وسوريا وغيرها من بلاد،أيضا فيديو ومكتبة .. وأرشيف متكامل .. لسيرة المؤسسة
، لكراسات الإخراج والمقالات التي كتبت بالصحف عن العروض التي قدمت يوما ما ، أرشيف مرتب بصورة دقيقة وعلمية ، مكتبة صور ، تتصدرها صور أولئك الرواد وقد عولجت مما طالها من القدم وأطرت ببروايز ملمعة وفارهة ـ رمزية عرفان ـ أيضا خبراء ومتخصصين يستقدمون من أوربا والعالم من حولنا لدرس في الإخراج أو في التمثيل او..، عربة ترحيل ، حوافز ونثريات تنشطهم وتدفعهم لمزيد من الطموحات والتطلعات نحو فعل مسرحي ثري وأصيل ، تنفتح بهم على مصادر كبيرة للمعرفة والاستنارة ..الخ !
لكن هل يحدث هذا بالفعل؟
إما أن ذلك مما لا يستحقه هؤلاء!؟
ما معني تكوين فرقة تمثيل وهي تفتقر لأبسط المعينات، ماتستلزمه من مال ادني بكثير مما يصرف في كثير من المناسبات التي بلا أية منفعة للناس ، وأن مركز بحثي صغير ، أقامه شخص متوسط الحال ، من حر ماله به كل تلك الامكانات، دعك من مؤسسة ، يدفع لها من مال الدولة،
فأقرأ المفارقة !؟
مؤسسات المجتمع المدني:
لعل السؤال الذي يطرأ الآن هو: ما هو دور مؤسسات المجتمع المدني، خاصة منها المعنية بالثقافة والفنون، في ظل غياب الاهتمام الرسمي به؟·
نشير، بداية، الى حقيقة ان البدايات الاولى لدخول المسرح الى السودان شهدت اهتماماً ملحوظاً من مؤسسات المجتمع المدني بالمسرح، ولقد تعاملت معه، كما اسلفنا، رغم حدودها الضيقة وهويتها الضعيفة، تعاملت معه باعتباره اداة فاعلة لخدمة قضاياها·· نحو التحرير والتنوير· ويمكن القول، قياساً، ان الفضل في ذيوع هذا الفن وانتشاره في ارجاء السودان، لاحقاً، يعود الى مجهودات هذه المؤسسات، ففيما يورده د· خالد المبارك ان (الانجليز لم يكتفوا بالموقف السلبي من المسرح في السودان، بل وقفوا ضده ومن ذلك ان مستر >بيني< مدير المخابرات كان هو الذي يراقب المسرحيات، بل حدث ان استدعى خالد ابو الروس لكي يتأكد من النصوص المسرحية قبل عرضها ) 19·
ود· المبارك ذاته يشير الى ان النهضة المسرحية في السودان ارتبطت بالحركة الوطنية ارتباطاً وثيقاً و.. (كانت المسرحيات تمثل بغرض جمع التبرعات لبناء المدارس الاهلية، وكما هو معلوم فان بناء المدرسة الأهلية بام درمان مثلاً ـ كان تحدياً وطنياً صريحاً للاستعمار وهكذا فان النهضة المسرحية كانت استجابة لتبلور القومية السودانية وقيادتها بواسطة الطبقة الوسطى)20
وفي اتجاه تعيين دور الفعاليات المجتمعية الوطنية، المنطلقة من مواقع اهلية في ذلك الوقت يمكن ان نشير الى نادي الخريجين الذي شهد تقديم مسرحية >صلاح الدين الايوبي< في اكتوبر 1291م ومثّل على مدى الوقت مركزاً للاشعاع الثقافي، كذلك نادي الزهرة ونادي المريخ وغيرها من اندية اسست بالجهد الاهلي وشهدت فعاليات ابداعية وثقافية لا زال صداها يتردد·
ويمكن النظر في السياق، وبصفة خاصة، الى جمعية التمثيل الادبي الخيرية ببورتسودان، فهي فيما تعطي المباحث التاريخية : (تأسست اثناء الحرب العالمية الاولى عام 1916م وكان اول عرض لها هو مسرحية >ديفيد جرك< التي خصص دخلها للصليب الاحمر) 20
هذا غير ما قدمته من انشطة مسرحية اخرى·
ثمة ادوار ايضاً لمؤسسات اهلية، طيلة المرحلة التالية للاستقلال، بعضها كان مواصلة لادوار بذلت ما قبل الاستقلال، من ذلك ما قدم من قبل مؤسسة الاحفاد، ونادي الثغر وغيرها، وصولاً الى الستينيات حيث ستظهر المساهمات الاهلية بصورة واضحة، ثمة ما سمي بالمسرح الجامعي وغيرها من فعاليات مسرحية استطاعت ان توجد حراكاً مسرحياً لم ينمح بعد، بالرغم من انه لم يجد المواعين التي تحفظه في ذاكرة المسرح لغياب التوثيق والكتابة، و صار يجد حظه من النشر والعرض، في الكثير من المناسبات، عبر منابر الشفاهة المتعددة·
عموماً ولأننا لا نثق في قدرتنا على التعيين المثالي لجهود المؤسسات الاهلية في ذلك الوقت، بسبب شح المصادر كما أسلفنا، سنعنى بجهود هذه المؤسسات في الوقت الحاضر·
وبداية نشير إلى إننا نعتقد ان هذه المؤسسات، بالأخص منها المعنية بالشأن الثقافي والإبداعي، عملت على مدى الوقت، على قلتها، في ظروف غير مناسبة، وافتقرت للدفع الاجتماعي والتشجيع الرسمي الذي يحملها على القيام بدورها على النحو المرجو· بل يمكن القول انها، في الكثير من الاوقات، عملت في ظروف معادية ·· صادرت كل امكان لها واضعفت مبادراتها تجاه المجتمع، فثمة مراكز اغلقت من قبل السلطات، وثمة مراكز ضيّق عليها وعلى ما تقترحه من برامج، وعلى ساعات عملها·· الخ·
الى جانب ذلك افتقرت اغلب هذه المؤسسات الى التمويل اللازم لاقامة الانشطة الثقافية وفشلت، في الغالب الاعم، في ان تستمر، بالتالي في ان تثمر فعلاً منظوراً وملموساً، فالاثمار يشترط الاستمرار!·
وواجهت هذه المؤسسات، من بين ما واجهت، اشكاليات تتصل بركود الساحة الثقافية العامة، بالتالي وجدت نفسها، في غالب الوقت، تقدم فعاليات غير ملحوظة أو مطروحة، في الحياة العامة، بالقدر الذي يستقطب اهتماماً وانفعالاً حياً من الجمهور، فالانشطة الثقافية غائبة في المواقع التي يفترض ان تفعلها وتنشطها الدولة، فهذه المؤسسات الاهلية ليست معنية، بكل تأكيد، بالهموم الثقافية والفكرية إلا بالقدر الذي تسمح به امكاناتها المحدودة، وان دورها، دائماً، هو دور تكميلي لما تقدمه الدولة وليس دوراً اساسياً·
ايضاً تضررت هذه المؤسسات من غياب كثير من المبدعين الفاعلين في ما تحاول الاسهام به، بسبب هجرتهم الى الخارج أو بسبب تفضيلهم الصمت، وهم بالداخل، على الحديث في زمن الانقاذ· وغياب هؤلاء المبدعين الفاعلين كان خصماً على انشطة هذه المؤسسات من واقع ان جزءاً كبيراً من ذاكرة الابداع ارتبط بهم، ومن واقع ان جزءاً كبيراً من قدرات التفعيل والحراك متعلقة برمزيتهم، ايضاً من واقع ان القلة القليلة المتحركة بالمجال من المبدعين، في ظروف لا تحسد عليها، ليست فقط تفتقر للقدرة على انتاج فعل ثقافي حقيقي انما ايضاً تفتقر الى القدرة على تعيين ذاتها وهويتها في الزمن الانقاذي الخانق، فهي بلا منابر، بلا مقر، بلا كيانات مؤسسية، بلا·· أي شئ!·
لهذه الاسباب وغيرها تبدو علاقة مؤسسات المجتمع المدني بالفعل الثقافي، بصورة عامة وبالفعل المسرحي بصفة خاصة، ضعيفة للغاية بل تكاد لاتلحظ·
ثمة مؤسسات تحاول، من وقت لآخر بعيد، ان تقارب خلال ما تقترحه من برامج وانشطة ثقافية شأن المسرح لكن ذلك لا يحدث بالشكل الذي يؤسس لعلاقة فاعلة ومؤثرة، وفي الغالب يجئ تزينياً سهلاً ما يلبث ان يذهب ادراج الريح·
وانت اذا بحثت في اجندة هذه المؤسسات، آخذاً في الاعتبار الظروف غير المواتية التي تعمل ضمنها، وجدت انها في غالب برامجها غير منتبهة الى المسرح، فليس ثمة ورش مسرحية، وليس ثمة ندوات أو مؤتمرات!·
واذا نظرت ايضاً تجد ان اغلب هذه المراكز بلا مكان للعرض المسرحي، بل ان قاعات القراءة بها، ان وجدت، تفتقر الى الكتاب المسرحي!، وفي هذا السياق يمكننا ان نستثني مركز الدراسات السودانية ومركز عبد الكريم ميرغني··، فقد قدما مساهمات عديدة في ما يتصل بالمسرح مؤخراً
ومع نشاط المنظمات الأجنبية التطوعية بدأ ملحوظاً اتجاه بعض المنظمات للاستعانة بالمسرح ولقد كان لذلك مردوده الايجابي، إذ استفاد كثير من المسرحيين من ذلك، كما ان ذلك انعكس بصورة طيبة على بعض القرى والمدن إذ شيدت بها مسارح، كما شهدت ساحاتها بعض العروض المسرحية، كذلك مدارسها وأنديتها·
لكن ثمة إشكاليات عديدة نهضت هنا ليس اقلها أن إسهام هذه المنظمات الغربية يقع في دائرة همومها وأهدافها الخاصة بالمجالات الإنسانية العامة التي تعمل بها من مثل رعاية الأيتام، رعاية الطفولة، محاربة الأمراض·· الخ، أي انها غير معنية بصفة شخصية بالمسرح، إنما بالصفة التي تحقق لها إمكانية إيصال رسالتها!·
لهذا تجد ان من الصعوبة ربط ما تسهم به هذه المنظمات بالفعاليات المؤثرة في السيرة المسرحية العامة·
كذلك من الإشكاليات ان فائدة علاقة هذه المنظمات بالمسرح لا تعود على الحركة المسرحية انما لبعض المسرحيين! ولكي نوضح ذلك نشير الى ان هذه المنظمات التي تتعانق من وقت لآخر مع المسرح لا تجد مؤسسة مسرحية تخاطبها وتتصل بها في الوقت الذي تريد ان تفيد خلاله من المسرح· لذا فانها تخاطب أفرادا، يتحولون مع الوقت الى زبائن على مدى الوقت لمشاريعها، تخاطبهم متى ما احتاجت!·
ومن بين ذات هؤلاء الافراد ظهر من استغل اهتمام هذه المنظمات بالفنون متى ما اتصلت ببرامجها، فاتجه الى تأسيس مراكز ـ شبيهة بأكشاك البيع ـ بلافتات مسرحية ليستقطب من خلالها دعم هذه المنظمات· وانت اذا نظرت الى هذه المراكز وجدت فقط رزمة من " " "التصورات" التي تربط المسرح ببعض قضايا هذه المنظمات، وجهاز حاسوب مفتوح على الانترنت ومراسلات في هذا الاتجاه!·
يقوم على هذه المراكز بعض المسرحيين بالطبع، يتكسبون بصورة سهلة ومجانية من عملهم هذا، فهم لا يفيدون من هذه العلاقة بالشكل الذي ينعكس على مجمل الحركة المسرحية، بل يتحولون الى وكلاء لهم اطماعهم الرأسمالية النهمة والتي تدفعهم الى هضم حقوق بعض صغار المسرحيين الذين يتم استثمارهم في جانب من المشاريع المشتركة بين هذه المراكز والمنظمات المانحة··، تدفعهم الى ماهو اكثر من ذلك!·
الى ذلك، صرفت هذه الفرصة المتوفرة لدى هذه المنظمات الغربية الكثير من المسرحيين عن الاهتمام بالواقع المتردي للمسرح، بالتالي غاب كل امكان يمكن ان يتوفر منهم في اتجاه تغيير الوضع القائم!·
وفي الحديث عن مؤسسات المجتمع وعلاقتها بالمسرح لا يمكن تجاوز مؤسسة مسرح البقعة المعنية اكثر من غيرها بالمسرح، وفي ما يتصل بهذه المؤسسة التي تتبع للمسرحي علي مهدي كنا عددنا، في مقال سابق، جملة من الإشكاليات تحيط بعلاقتها بالمسرح، من ذلك أنها لا تفكر بصورة مؤسسية في المسرح، وان اغلب فعالياتها غلب عليها طابع الارتجال والخفة والاستسهال، ولقد تمحورت في اغلبها في صيغة مهرجانية سنوية لا تخلّف أي صدى فاعل ومؤثر على الحركة المسرحية·
وهذه المؤسسة تختلف عن سائر منظمات أو مؤسسات المجتمع المدني بكونها تفيد من الاجهزة الحكومية في دخولها المالية تحت مسمى "الشراكة الذكية"وهي تقيم منذ ست سنوات مهرجاناً للمسرح سنوياً، لمدة اسبوع كل عام، في ظروف اقل ما يمكن ان توصف بها انها فوضوية، تفاقم أزمات المسرح يوماً بعد يوم بدلاً من ان ترفعها!·
و حتى يمكن للقارئ ان يمتلك تصوراً لهذا المهرجان يمكنه من الحكم عليه نشير الى انه وبالرغم من مرور ست سنوات على هذا المهرجان فان المكتبة السودانية لا تحفظ أية وثيقة له، ليس ثمة كتاب خرج عنه، ولا تسل عن إحجام كثير من المسرحيين عن المشاركة فيه، لا تسل عن التقرير الأخير الذي أعدته اللجنة المحكمة في عروض الدورة الاخيرة للمهرجان وما كشفه عن عدم انضباط يسود المهرجان·· ولا مؤسسية تقف خلف فعالياته·· الخ·
الهيئة الدولية للمسرح (I . T . I)
تمثل الهيئة الدولية للمسرح واحدة من الفعاليات المهمة في اشاعة ونشر فن المسرح، وهي تبذل في هذا السبيل الكثير من الامكانات· ويتضاعف دور هذه الهيئة التابعة لليونسكو في دول العالم الثالث بصفة خاصة، وهي تنشيء لها مكاتب بهذه الدول تتعالق من خلاله مع المبادرات المسرحية وتدعمها، بوسائل شتى، بغية اثرائها ومد نطاق تأثيرها، في مناطقها·
وفيما يتعلق بعلاقة هذه الهيئة بدافع المسرح في السودان نشير بداية الى اننا، نعتقد ان هذه العلاقة مفقودة تماماً، فليس ثمة مشاريع منظورة اقترحتها هذه الهيئة هنا·· ليس ثمة ورش، او مؤتمرات، او بعثات·· او··، او على الاقل ان ذلك غير معلن عنه!·
ليس ذلك فقط بل ان هذه الهيئة ليست معروفة - في حد ذاتها - بالنسبة لكل المسرحيين السودانيين - عدا القلة التي تدير مكتبها - لا احد يعرف مكانها، لم يطلع اي مسرحي على اية منشورات تعرف بها، وبطبيعة ما تقدمه بوصفها هيئة دولية معنية بالمسرح!·
منذ وقت رشحت من بين بعض المقالات التي كتبها الناقد السر السيد، رشحت معلومات كشفت عن: أزمة معلومات تتعلق بهذه الهيئة، فلا شيء يعرف عنها لدى المسرحيين!·
من بين ما رشح خلال تلك المقالات وتحقيق اجرته صحيفة الحياة ان المعلومات المتعلقة بعلاقة هذه الهيئة بواقع المسرح في السودان غائبة حتى لدي اوثق الجهات المفتوحة على هذه الهيئة وهي وزارة التربية والتعليم التي من المفترض ان تكون مفتوحة عليها باعتبار انها - الهيئة - جزءاً من فعاليات اليونسكو، والتي تدفع لها الدولة رسوم اشتراك معينة حتى يحق لمواطنيها ان تستفيد مما تقدمه من مشاريع· ولنربط حديثنا حول هذه الهيئة ونقصره في شأن: غياب المعلومات فقط!·
ففي ذلك ما يعطى تصوراً كافياً، في اعتقادنا، عن الاشكاليات المتصلة بمكتب هذه الهيئة او فرعها في السودان، وفي هذا الاتجاه نشير الى اننا نميل الى الاعتقاد ان تغييب المعلومات هو وجه من وجوه السوء العديدة التي نالت من الحركة المسرحية في السودان من قبل هذه الهيئة·
بعد، بالنسبة لنا ان الامر يتعلق، كيفما تجلى، بمن اوكل اليهم شأن ادارة مكتب هذه الهيئة في السودان، فنحن نثق تماماً من ان هيئة دولية تابعة لليونسكو لا يمكن لا يمكن ان تغييب المعلومات المتعلقة بطبيعة دورها·· فلا توفر المنشورات المعرفة بها، ولا تقيم الندوات التي تضيء مشاريعها، لا يمكن ان تفعل ذلك وتدمغ من لا يعرفها بالجهل وضيق الافق وغيره!·
الاقرب بالنسبة لنا، والذي يمكننا ان نفهمه هو ان من اولك اليهم شأنها في السودان كان بالنسبة اليهم الافضل هو الا يعرف المسرحيين اي شيء عنها ولم ير اي واحد منهم ان من حق هؤلاء المسرحيين الانتفاع باية معلومة تتعلق باعمالها، ومنحها النوعية (البعثات العلمية، المؤتمرات الدولية، الدعم المالي··)!·
ان من اوكل اليهم شأن هذه الهيئة ضيعوا على الساحة المسرحية، على مدى الوقت، الكثير من حظوظها المستحقة، وذلك من خلال سياسة التعتيم التي اتبعوها، ثم·· هم لم يقترحوا من مواقعهم بها المشاريع التي يمكن ان تقلل من حال البؤس الذي يعم الساحة المسرحية، ولاهم ملكوا غيرهم المعلومات التي تعطيهم الفرصة في نيل ذات المواقع وتفعيلها لخدمة الساحة بضمير ابيض، اصيل!·
المراكز الغربية
ذات الاشكاليات التي نهضت في علاقة المؤسسات والمراكز الثقافية الوطنية نجدها عند الحديث عن علاقة مراكز الثقافة الغربية بالحركة المسرحية في الخرطوم، فثمة ركود الساحة المسرحية وضعفها لم يطرح امكاناً مناسباً لدى هذه المراكز الغربية حتى تخلق علاقة ملحوظة مع الفعاليات المسرحية السودانية، اذ لم تجد المبادرات الفاعلة التي يمكن ان تحاورها وتتفاعل معها·· متيحة لها ما لديها من امكانات مادية على نحو ما يحدث في كثير من العواصم الغربية·
الى جانب ذلك·· كون ان هذه المراكز غربية - أي ان صفتها ليست سودانية، كان له دوره في ابتعاد بعض المسرحيين عنها بتبريرات من لدن ان لدى هذه المراكز اجندة خفية، وان لها مساعيها في تنميط الثقافة السودانية، تكريساً للثقافة الغربية·· بل اننا لا نرى لها اية فعاليات ثقافية عدا المركز الثقافي الفرنسي، ولقد تراجع، وكثيراً، المركز الالماني، بالأخص في علاقته بالمسرح! والفرنسي يغلب على شغله كورسات اللغة الى الحد الذي يعطي انطباعاً بأنه مجرد معهد لغة اكثر من كونه مركز ثقافي يوزان، بشكل عادل، في مقاربته لمختلف الفعاليات الثقافية·
والشاهد ان شأن المسرح داخل هذا المركز لم يطرح بالصورة المناسبة مع امكاناته، ومن النادر للغاية ان تقدم ضمن برامجه فعاليات مسرحية، ذات اثر، وفي المرات القليلة التي يقدم فيها المسرح ثمة وجوه محددة·· ثمة فرق محددة، نشاهدها كل مرة، وهي ليست بالقدر الذي يمكن ان يؤثر او يدفع باتجاه خلق نشاط مسرحي حقيقي·· ان امكاناتها اقل من ذلك بكثير·
ولا يمكننا ان نغفل جانب مهم يتصل ببعض الفاعلين في هذا المركز من المسرحيين السودانيين وهو: انهم يتصلون بأنشطة المركز بدافع السفر من خلاله الى فرنسا، اي ان من بينهم، لعلهم الاكثر، من ليس مهموماً بالمسرح·· انما بالهجرة وما انفعالهم بالمسرح ومقاربتهم لقضاياه عبر قاعات ومسرح المركز الا ذريعة·· او وساطة للسفر الى باريس·
الهجرة
تأثر المجال المسرحي السوداني مثله مثل العديد من المجالات الاخرى، عقب استيلاء الانقاذ على السلطة 1989، تأثر بهجرة اعداد كبيرة من الفاعلين به الى الخارج، اما بسبب ضيق فسحة العيش،واما لاسباب سياسية، على نحو ما عرضنا في اجزاء سابقة من المقال·
ونشير الى ان محاولة تعيين تأثر المجال المسرحي بهجرة اعداد كبيرة من الفاعلين به هو مما لا يمكن القيام به على النحو الذي تستلزمه الكتابة العلمية، وذلك لاسباب عديدة ليس اقلها انه لا يوجد أي محضر يقيد هذه النسبة المهاجرة ويمكن الاستناد عليه، كما لا توجد أي مقاربات أو بحوث أو دراسة سابقة قرأت الأمر وحددته بصفة يمكن الاعتماد عليها هنا - أو قل اننا لم نحصل على ذلك·
لهذا السبب رأينا ان نقيس تأثير هذه الهجرة على المجال من خلال تعينينا لعلاقة بعض المهاجرين ببعض الفعاليات والتجارب المسرحية المعروفة مثل الفرق والجماعات التي نشطت في وقت ما واستطاعت ان تحدث حراكاً فاعلاً في العديد من الساحات والمسارح·
استطراداً·· قراءة علاقة بعض المهاجرين المسرحين بالفرق والجماعات تتيح لنا ان نقيس بصورة اسهل تأثير هذه الهجرة على المجال برمته فالفرق والجماعات متى ما وجدت هي دليل على حراك بالساحة بل يمكن الذهاب في القول الى ان أي ساحة ثقافية ابداعية تفتقر الى التكوينات والاجسام الجماعية هي ساحة قفر ولا يعتد بها والى مافي ذلك··!؟·
في هذه الجهة نجد ان اغلب الفاعلين في الفرق والجماعات المسرحية·· بل اغلب المؤسسين لها هاجروا الى اوربا والبلاد العربية مثلاً·· نجد عندما ننظر الى جماعة (السديم) التي تأسست - فيما يقول احد اعضائها - اواخر السبعينيات وقدمت العديد من الاعمال البازخة مثل (السديم) للشاعر المعروف ادونيس و(مطر الليل) لمحمد محي الدين و(ضو البيت) للطيب صالح و(سهرة مسرحية) لمصطفى احمد الخليفة و(التحدي) لخطاب حسن احمد·· الخ ولقد استطاعت هذه الجماعة ان تنقش اسمها ببريق خاص في مجالس الانس المسرحي والشفاهة والقعدات الى جانب بعض الزوايا الصحفية بل ببعض البحوث والدراسات التي انجزها طلاب كلية الدراما والموسيقى·· الخ·
نجد عندما ننظر الى هذه الجماعة التي توقف نشاطها منتصف التسعينيات ان ابرز الفاعلين فهيا هاجروا ولنذكر هنا تمثيلاً (يحيى فضل الله، عادل السعيد، الرشيد أحمد عيسى، حاتم محمد محمد صالح والسماني لوال·· و جمال محمد أحمد (سوزي) وعبد الجبار عبد الله، عبد الحافظ محمد خير·· الخ·
كذلك فرقة (شوف) وقد فقدت مؤسسها عبد المنعم إبراهيم إذ هاجر الى هولندا· فرقة (النفير) افقدتها الهجرة عبد الباقي مختار، عاطف خيري، غدير ميرغني (هاجر لفترة مؤقتة) كذلك هنالك فرقة (الاصدقاء) التي افقدتها الهجرة السني دفع الله، بدر الدين شيبة·· الخ·
غير هذه الفرق والجماعات نستطيع القول ان هنالك العديد من الكيانات التي انتسب اليها بعض المسرحيين المهاجرين فيما كانوا بداخل السودان·· لكن للأسف حال عدم التوثيق وضعف النشر تضعف أي امكانية تحاول تعيينها وتحديدها·
عموماً·· اننا نعتقد ان في ما ذكرنا ما يدل بصورة واضحة على الاثر السالب الذي خلفته هجرة بعض المسرحيين في السودان· خاصة اذا عرفنا ان هذه الفرقة والجماعات التي ذكرنا متوقفة عن النشاط تماماً، بل يمكن القول انها لا توجد! ولا نستطيع ان نعزل هجرة هؤلاء المسرحيين عن اسباب تدهور حال هذه الفرق والمبادرات، فمن بين الاسماء المهاجرة التي عددناها من كان مؤسساً لبعض هذه الفرق، وان من بينهم من ارتبطت قدرات التفعيل والحراك الايجابي لدى هذه الفرق على وجوده، لذلك - كما اسلفنا - تردت الاحوال بهذه الفرق وادى ذلك ضمن ما ادى الى ان يتوقف عطاء هذه الجماعات وذلك بالطبع الى جانب ما عددناه من اشكاليات سابقاً·
غير من ذكرنا هنالك من بين من هاجروا خطاب حسن أحمد، محمد طه امفريب و عبد العظيم حمدنا الله، تماضر شيخ الدين، هادية بدر الدين، تحية زروق، نادية جابر، يوسف عيدابي، إبراهيم سلوم، عز الدين هلالي، بدر الدين حسن علي، منى عبد اللطيف، يحيى الحاج، منى عبد الرحيم·· الخ· ومن بين هذه الاسماء من كان يكتب المقالة، من بينهم المترجم والمخرج والممثل المتميز·· ونجد ان شخص مثل محمد طه امفريب مثلاً كانت له مساهمات نوعية في النقد الى جانب الترجمة·· وهو والى جانبه ابراهيم سلوم شاركا بفعالية عالية في اعداد البرامج الثقافية باذاعة البرنامج الثاني بالهيئة القومية للاذاعة والتلفزيون في الثمانينيات·
الى ذلك مما لا شك فيه ان غياب هذه الاسماء مثلما أثر في حاضر الحركة المسرحية على نحو ما عرفنا لا نشك في انه سيؤثر في ذاكرة المسرح السوداني القادمة·
ختام
لقد حاولنا خلال هذا المقال ان نعين بعض ما رأينا انه يمثل اشكاليات تعوق الحركة المسرحية السودانية، ولقد اشرنا الى اننا عانينا من شح المصادر وغياب المعلومات·
ولا نرجو لهذه المادة إلا ان تكون مدخلاً لاثارة الاسئلة حول قضايا المسرح·· نحو تأسيس ضرب من الممارسة النظرية الجادة في سيرتنا المسرحية، ولا نستطيع ان نغفل عن شكر بعض الاخوة الذين تحاورا معنا، هنا وهناك، وتبرعوا لنا بالكثير من النصح المقدر
الهوامش
1- عز الدين هلال - حركة النقد المسرحي في السودان في البدايات الأولى ألي 1985 (رسالة دكتوراة لم تنشر) اكاديمية الفنون القاهرة 4991· ص 7·
2- الصادق الرضي - ازاحة الصمت عن مداد الصمت - ورقة قدمت بورشة قصيدة النثر - الخرطوم - فبراير 6002م·
3عز الدين هلال - مرجع سابق - ص 8
4عثمان جمال الدين ـ الفلكور والمسرح - اصدرات ااروقة ـ الخرطوم ـ ص 9
5- اليسع حسن أحمد - النقد الدرامي في الصحافة السودانية - رسالة ماجستير كلية الدراسات العليا جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا·نوفمبر2003·ص63
6- السر السيد - دوائر لم تكتمل - اصدارات مركز القاهرة لحقوق الانسان · القاهرة ·ص 30·
7- سليمان يحيى - حوار ثقافة الاضواء - صحيفة الاضواء 03 يناير 6002·
8- رياض عصمت - المسرح والمؤسسة ـ مجلة الوحدة· ـ اصدار المجلس القومي للثقافة العربيةـ الرباط ـ ص92
9- هاشم ميرغني - إشكاليات الخطاب النقدي - ورقة قدمت بمنتدى النقد كلية الدراما·اغسطس2004·
10- بدر الدين حسن علي - مجلة الاقلام - العدد الخامس - السنة الثالثة 8791· دار الجاحظ وزارة الثقافة والفنون بغداد ص 71·
11- سعد يوسف عبيد - الصورة المسرحية عند الفاضل سعيد ومكي سنادة1967- 1987· رسالة ماجستيرلم تنشر - كلية الدراسا ت العليا جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا·الخرطوم1991· ص74
12- مكي سنادة - المسرح السوداني ظواهره وقضاياه - منشورات المؤتمر القومي للتخطيط الثقافي - عن الاتحاد الاشتراكي لجنة الاعلام والتوجيه- بلا تاريخ وثيقة رقم 7·
13- رياض عصمت - مرجع سابق ص 92
14- محمد شريف علي - مجلة الاذاعة والتلفزيون والمسرح 51 يونيو 8791·
15- صحيفة الصحافة 15/11/1985·
16- يحيى فضل الله - اشارات ثقافية - موقع سودان للجميع - منتدى الحوار الديمقراطي · بوست في بؤس بيئة المسرح في السودان مهرجان البقعة نموذجاً·
17- ربيع يوسف الحسن - فضاءات بديلة - موقع سودان للجميع بوست في بؤس بيئة المسرح مرجع سابق·
18- فتح الرحمن عبد العزيز - صحيفة الأضواء 5 ديسمبر 5002م·
19- خالد المبارك - حرف ونقطة - منشورات المعهد العالي للموسيقى والمسرح ص 7·
20- خالد المبارك - ذات المرجع ص 7·
21- خالد المبارك - نفسه ص 7·
نُشرت هذه الدارسة بمجلة الرافد الاماراتية للكاتب .